اتفاق الهدنة في غزة؛ لحظة تاريخية أم فخ صهيوني جديد؟

اتفاق الهدنة في غزة؛ لحظة تاريخية أم فخ صهيوني جديد؟

في اللحظة التي ينتظرها العالم العربي والإسلامي منذ أكثر من عامين من الإبادة الجماعية في قطاع غزة، أعلن عن اتفاق الهدنة في غزة كخطوة أولى نحو وقف النار الشامل.

لم يكن هذا الاتفاق مجرد ورقة تُوقع في غرفة مغلقة في شرم الشيخ، بل هو شهادة حية على شجاعة المقاومة الفلسطينية التي ركعت الأكابر أمام إصرارها وصمودها.

اتفاق الهدنة في غزة منذ عامين من الإبادة

منذ 7 أكتوبر 2023، حيث انطلقت عملية “طوفان الأقصى”، أثبتت فصائل المقاومة، بقيادة حركة حماس وغيرها، أن الشعوب المضطهدة لا تنكسر أمام الآلة العسكرية الأكبر، بل تحول دونها إلى ركام.

اليوم، في 9 أكتوبر 2025، يدخل اتفاق الهدنة في غزة حيز التنفيذ، لكنه يحمل في طياته تحذيراً واضحاً: الصهاينة لا يمكن الوثوق بهم، فتاريخهم مليء بالخداع والانتهاكات.

خلفية الصراع؛ غزة كرمز للصمود العربي

قبل أن نغوص في تفاصيل اتفاق الهدنة في غزة، يجب أن نستعيد السياق الذي جعل هذا الاتفاق ممكناً. قطاع غزة، هذا الشريط الضيق من الأرض المباركة، حُرم من الحرية لأكثر من سبعة عشر عاماً تحت الحصار الإسرائيلي الشامل.

كان الاحتلال الصهيوني يعتقد أن الجوع والقصف والاغتيالات ستكسر إرادة أهل غزة، لكنهم أخطؤوا الحساب.

في 7 أكتوبر 2023، أطلقت المقاومة الفلسطينية ضربة استباقية أذهلت العالم، حيث اخترقت السياج الحدودي وأسِرت عشرات الجنود والمستوطنين، مما أجبر الجيش الإسرائيلي على التراجع في ساعات.

كانت هذه الضربة ليست مجرد عمل عسكري، بل صرخة تحررية رددت في كل ركن من أراضي فلسطين المحتلة.

ما تبع ذلك كان حملة إبادة مدبرة، حيث قتل الاحتلال أكثر من 40 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، ودمر أكثر من 80% من البنية التحتية في غزة. لكن شجاعة المقاومة كانت الدرع الذي حَمَى الشعب.

في الأنفاق السرية تحت الأرض، وفي الشوارع المُرْصَصَة بالركام، قاتل المقاتلون الفلسطينيون ببسالة، مستخدمين أسلحة بدائية أمام طائرات أباتشي ودبابات ميركافا.

هذه الشجاعة لم تكن فردية؛ إنها إرث جماعي يعود إلى ثورة 1936، مروراً بكفاح ياسر عرفات، وصولاً إلى قادة حماس اليوم.

ركعت الأكابر أمامها – أمريكا، بريطانيا، أوروبا – الذين كانوا يدعمون الاحتلال بمليارات الدولارات، لكنهم وجدوا أنفسهم عاجزين عن إنقاذ “دولتهم اليهودية” من الانهيار الأخلاقي والعسكري.

تفاصيل اتفاق الهدنة في غزة

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في فجر 9 أكتوبر 2025، عن التوصل إلى المرحلة الأولى من خطة السلام الخاصة به، بعد مفاوضات ماراثونية في شرم الشيخ بوساطة مصرية وقطرية وتركية.

يدخل اتفاق الهدنة في غزة حيز التنفيذ فوراً، مع وقف شامل لإطلاق النار في جميع أنحاء القطاع. وفقاً للنص الذي نشرته هيئة الإذاعة الإسرائيلية “كان”، يشمل الاتفاق:

إطلاق سراح الرهائن والأسرى: سيتم إفراج حماس عن 48 رهينة إسرائيلياً (20 منهم أحياء) مقابل إطلاق إسرائيل سراح 1700 أسير فلسطيني، بما في ذلك مئات ذوي الأحكام المؤبدة.

هذا التبادل يُعتبر خطوة إنسانية، لكنه يعكس أيضاً قوة المقاومة التي أجبرت الجانب الآخر على التنازل.
انسحاب القوات الإسرائيلية: سيبدأ الجيش الإسرائيلي انسحابه من نحو 50% من أراضي غزة خلال 24 ساعة، بدءاً من بيت حانون في الشمال، مروراً بمدينة غزة والبريج، وصولاً إلى رفح في الجنوب.

هذا الانسحاب الجزئي يُمهد لعودة النازحين إلى منازلهم في الشمال والوسط، وهو بند رمزي يُعيد الحياة إلى المناطق المحتلة.

-إدخال المساعدات الإنسانية: تحت إشراف الأمم المتحدة ومصر وقطر، سيتم إدخال شحنات واسعة النطاق من الغذاء والدواء والوقود، لمواجهة المجاعة التي أصابت غزة.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وصف هذا الاتفاق بأنه “لحظة تاريخية تجسد انتصار إرادة السلام على منطق الحرب”.

المراقبة والضمانات: ستشارك 200 جندي إسرائيلي في قوة مهام مشتركة لمراقبة الهدنة، مع دعم أمريكي لوجستي دون إدخال قوات أمريكية مباشرة.

الخريطة الزمنية تمتد إلى 5 أيام للخطوات الأولى، مع تعليق المراقبة الجوية فوق المناطق المُنْسَحَبَ مِنْهَا.

هذه التفاصيل تجعل اتفاق الهدنة في غزة خطة متعددة المراحل، لكنها ليست نهاية الحرب؛ إنها استراحة مُرْهَقَة بعد عامين من الدمار.

ومع ذلك، يظل التركيز على شجاعة المقاومة التي فرضت هذه الشروط. لو لم تكن المقاومة قد ركعت الأكابر أمامها، لما جلس نتنياهو في اجتماع مجلس الوزراء الأمني ليوافق على الانسحاب.

الدرع الذي ركع الأكابر

لا يمكن الحديث عن اتفاق الهدنة في غزة دون الإشادة بشجاعة المقاومة الفلسطينية، التي تحولت من كيان مُحَاصَر إلى قوة إقليمية أجبرت العظمى على التراجع.

تخيلوا: شعب يقاتل بصواريخ محلية الصنع أمام أقوى جيش في الشرق الأوسط، مدعوم بذكاء اصطناعي وطائرات بدون طيار.

هذه الشجاعة ليست في العدد، بل في الإيمان. قادة مثل يحيى السنوار ومحمد الضيف، الذين يُشَاع مقتلهم مراراً، أعادوا كتابة تاريخ المقاومة العربية.

ركعت الأكابر أمامها – الولايات المتحدة، التي أرسلت حاملات طائرات لكنها فشلت في إيقاف النزيف؛ إسرائيل، التي خسرت آلاف الجنود ومئات المليارات؛ وحتى أوروبا، التي بدأت تشكك في شرعية “دولتها الديمقراطية”.

في غزة، لم تكن المقاومة مجرد عسكرية؛ إنها اجتماعية وثقافية. النساء اللواتي يلدن تحت القصف، والأطفال الذين يرسمون أحلامهم على جدران الدمار، والشيوخ الذين يصلون في المساجد المُقْتَضَبَة – كلهم جزء من هذه الشجاعة.

هذا الصمود أجبر الوسطاء على التحرك، وجعل اتفاق الهدنة في غزة واقعاً. إنه درس لكل شعب عربي: الشجاعة لا تُقَاسْ بالسلاح، بل بالإرادة.
عدم الثقة بالصهاينة: تاريخ من الخيانات.

ومع ذلك، بينما نحتفل بخطوات اتفاق الهدنة في غزة، يجب أن نكرر بصوت عالٍ: الصهاينة لا يمكن الوثوق بهم. تاريخهم مليء بالانتهاكات للهدنات والعهود.

تذكروا هدنة نوفمبر 2023، التي انهارت بعد أسابيع بسبب قصف إسرائيلي مفاجئ؛ أو هدنة يناير 2025، التي لم تدم أكثر من شهرين قبل أن تعود الطائرات لتُرْمِيَ قنابلها.

في اتفاق الهدنة في غزة الحالي، يُشْتَرَطُ وقف فوري للعمليات، لكن الشكوك تظل قائمة.

المحللون الفلسطينيون يحذرون من أن الهدنة “معلقة على وعود الوسطاء”، وأن إسرائيل قد تستغل الانسحاب الجزئي لإعادة التسلل لاحقاً.

الصهاينة لا يمكن الوثوق بهم لأن فلسفتهم مبنية على الاستيطان والتوسع، لا على السلام. من مذبحة دير ياسين في 1948، إلى حرب 1967، إلى اليوم، كانت كل هدنة مجرد توقف لإعادة التموين.

في غزة، حيث دمرت الدبابات المدارس والمستشفيات، يعرف الشعب أن الثقة بالعدو وصفة للخيانة. لذا، يجب أن تكون المقاومة في حالة تأهب دائم، مستعدة لاستئناف النضال إذا انهار الاتفاق.

الآفاق المستقبلية

مع دخول اتفاق الهدنة في غزة المرحلة التنفيذية، يُطْرَحُ السؤال: هل هذا بداية لسلام دائم؟ التفاؤل حذر، لأن الخطة متعددة المراحل، وتعتمد على التزام الجميع.

لكن شجاعة المقاومة تضمن أن غزة لن تعود إلى ما قبل 7 أكتوبر. يجب على العالم العربي دعم إعادة الإعمار، وفرض حل الدولتين، ومحاسبة الاحتلال أمام المحاكم الدولية.

في النهاية، اتفاق الهدنة في غزة ليس نهاية، بل فصل جديد في سيرة الشجاعة الفلسطينية.

في ختام هذه المقالة، نؤكد مرة أخرى: شجاعة المقاومة التي ركعت الأكابر أمامها هي الضمان الوحيد لمستقبل حر. والصهاينة لا يمكن الوثوق بهم، فاليقظة هي السلاح الأقوى. غزة تنتصر، وفلسطين حرة قريباً.

المصدر: كويت٢٤ + الجزيرة