قمة شرم الشيخ؛ وعد بالسلام أم فخ للاستسلام؟

قمة شرم الشيخ؛ وعد بالسلام أم فخ للاستسلام؟

اجلاس شرم الشيخ/في 13 أكتوبر 2025، تحولت مدينة شرم الشيخ المصرية، التي تُلقب بـ”مدينة السلام”، إلى مسرح لقمة دولية تحت عنوان “قمة شرم الشيخ للسلام”.

قمة شرم الشيخ؛ بين الوعود والواقع المر!

كانت هذه القمة، برئاسة مشتركة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تهدف ظاهريًا إلى توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وتكريس “مسار السلام” في الشرق الأوسط. شارك فيها قادة أكثر من 20 دولة، بما في ذلك أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، إضافة إلى ممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وقع الوفد الأمريكي والمصري والقطري والتركي على وثيقة تُدعى “إعلان ترامب للسلام الدائم والازدهار”، التي أعلنت نهاية الحرب في غزة، وتبادل الأسرى (حوالي 20 رهينة إسرائيليًا مقابل 1900 أسير فلسطيني)، ووعود بإعادة الإعمار ونزع السلاح عن الفصائل الفلسطينية.

لكن، كما سنرى في هذه المقالة، فإن هذه القمة ليست سوى فصل آخر في مسرحية السلام المزيفة، التي تدار من قبل الغرب بقيادة الولايات المتحدة، وتغطي على جرائم الاحتلال الإسرائيلي.

إنها تعكس ازدواجية المعايير الغربية الفاضحة، وتكشف عن خدع صهيونية مدروسة تهدف إلى إضعاف المقاومة الفلسطينية وتفتيت وحدتها. يجب على المقاومة، ممثلة بحركة حماس وغيرها من الفصائل، أن توعى لهذه الخدع لتجنب الخسارات المستقبلية، فالسلام الحقيقي لا يُبنى على الاستسلام، بل على العدالة والكرامة.

السياق التاريخي؛ تكرار مسرحيات السلام الفاشلة!

ليس إجلاس شرم الشيخ حدثًا منعزلاً؛ إنه يعيد إحياء ذكريات قمم سابقة في المنطقة، التي كانت تُباع كـ”فرص تاريخية” للسلام، لكنها انتهت بتعزيز الاحتلال.

في عام 1994، عقد اتفاقية شرم الشيخ بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، تحت رعاية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون والرئيس المصري حسني مبارك، والتي سمحت لإسرائيل بتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية مقابل وعود فلسطينية بـ”التعاون الأمني”.

انتهى الأمر باندلاع الانتفاضة الثانية في 2000، بعد زيارة آرييل شارون للمسجد الأقصى، مما أدى إلى آلاف القتلى الفلسطينيين.

أما قمة شرم الشيخ في مارس 2023، فقد كانت محاولة لتهدئة العنف بعد تصاعد الاشتباكات في الضفة الغربية، لكنها لم تمنع الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر من العام نفسه، التي أسفرت عن مقتل أكثر من 67 ألف فلسطيني، معظمهم نساء وأطفال، وتدمير القطاع بالكامل.

اليوم، في 2025، يأتي إجلاس ترامب كامتداد لهذه السلسلة، مستغلًا إرهاق المقاينة الفلسطينية بعد عامين من الحرب، لفرض خطة أمريكية تُسمى “خطة ترامب للسلام في غزة”، والتي تتكون من 20 نقطة، تبدأ بوقف إطلاق النار المؤقت وتنتهي بنزع السلاح عن حماس وإعادة إعمار تحت إشراف دولي يُسيطر عليه الغرب.

هذا السياق يظهر أن هذه القمم ليست للسلام، بل لشرعنة الاحتلال. كما قال تقرير من “ميدل إيست آي”، فإن غياب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الإماراتي محمد بن زايد عن القمة كان إشارة إلى رفضهم منح مصر دورا رئيسيا، مما يعكس التوترات الإقليمية حول غزة، حيث تسعى الدول الخليجية لدور أكبر في إعادة الإعمار دون مشاركة حقيقية للفلسطينيين.

الخطة الأمريكية؛ وعد بالسلام أم فخ للاستسلام؟

الوثيقة الموقعة في شرم الشيخ تُقسم الاتفاق إلى ست مراحل: تبدأ بإعلان ترامب “نهاية الحرب”، ثم تبادل الأسرى، ثم وقف العمليات العسكرية، ثم إعادة الإعمار، وأخيرًا نزع السلاح عن الفصائل الفلسطينية وإعادة تنظيم غزة تحت إشراف “مجلس سلام” دولي يضم توني بلير وغيره من الشخصيات الغربية. لكن هذه الخطة مليئة بالثغرات والخدع:

  1. أولاً، لا تذكر الدولة الفلسطينية صراحة، وتُلقي باللوم على حماس في “الإرهاب” دون محاسبة إسرائيل على جرائمها. كما أفاد تقرير “نيويورك تايمز”، فإن الخطة تترك قضايا جوهرية مثل الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من غزة، أو وقف الاستيطان في الضفة، لـ”مراحل لاحقة” غامضة، مما يسمح لإسرائيل باستئناف العمليات لاحقًا.
  2. ثانيًا، غياب إسرائيل وحماس عن القمة نفسه خدعة: نتنياهو اعتذر بحجة “الأعياد اليهودية”، بينما رفضت حماس المشاركة لأنها “غير معنية مباشرة”. هذا يجعل الاتفاق “ورقيًا”، يُوقع عليه الوسطاء (مصر، قطر، تركيا، أمريكا) دون الأطراف الرئيسية، مما يُشبه توقيع معاهدة سلام بين غائبين. كما ذكر “الغارديان”، كاد ترامب يدعو نتنياهو، لكن أردوغان هدد بالانسحاب، مما ألغى الدعوة، لكن هذا لا يغير من حقيقة أن الخطة تُخدم مصالح إسرائيل.
  3. ثالثًا، التركيز على “نزع السلاح” عن حماس دون ضمانات للأمن الفلسطيني هو خدعة صهيونية كلاسيكية. تاريخيًا، استخدمت إسرائيل اتفاقيات السلام لتعزيز قوتها العسكرية، كما في اتفاقية أوسلو 1993، التي أدت إلى مضاعفة عدد المستوطنين من 110 آلاف إلى أكثر من 700 ألف اليوم. اليوم، مع أكثر من 67 ألف قتيل فلسطيني منذ أكتوبر 2023، يُقدم هذا الاتفاق كـ”نصر إنساني”، بينما يُخفي خططًا لإعادة احتلال غزة تحت غطاء “إعادة الإعمار”.

ازدواجية المعايير الغربية؛ دعم الإرهاب الصهيوني تحت غطاء السلام!

إذا كان قمة شرم الشيخ “احتفالا بالسلام”، فلماذا يحضره ترامب، الذي وصف الحرب الإسرائيلية بـ”النصر الكبير” في خطاب أمام الكنيست قبل القمة مباشرة؟ هنا تكمن ازدواجية المعايير الغربية الفاضحة: الغرب يدين “الإرهاب” عندما يُمارسه المقموعون، لكنه يُمجد الاحتلال عندما يُرتكبه حلفاؤه.

أولاً، الولايات المتحدة قدمت أكثر من 20 مليار دولار مساعدات عسكرية لإسرائيل منذ 2023، بما في ذلك قنابل تُستخدم في قصف المستشفيات والمدارس في غزة، ثم تُوقع على “إعلان سلام” في اليوم التالي.

ترامب نفسه، في قمة شرم الشيخ، وصف اليوم بـ”يوم عظيم للشرق الأوسط”، متجاهلاً الدمار الذي خلفته إسرائيل، الذي جعل غزة “غير صالحة للسكن” كما وصفته الأمم المتحدة. هذه الازدواجية ليست جديدة؛ في قمة 2023، أدينت حماس كـ”إرهابية” بينما تجاهلت الغرب جرائم إسرائيل في الضفة، حيث قُتل أكثر من 500 فلسطيني في 2023 وحدها.

ثانيًا، أوروبا، ممثلة بماكرون وستارمر وميرتز، شاركت في القمة رغم رفضها قرارات الأمم المتحدة الداعية لوقف الإطلاق الناري. الاتحاد الأوروبي خصص 1.6 مليار يورو لـ”دعم السلطة الفلسطينية”، لكنه اشترط “إصلاحات” تُضعف حماس، مما يُعزز دور السلطة الفلسطينية كـ”شرطي” للاحتلال.

كما قال تقرير “يورونيوز”، فإن الاتحاد يريد “دورا أكبر للسلطة” في غزة، لكن دون جدول زمني للدولة الفلسطينية، مما يُحول القمة إلى أداة لفرض “سلام أمريكي” يُخدم مصالح الغرب الاقتصادية، مثل استثمارات الخليج في غزة تحت سيطرة إسرائيلية.

ثالثًا، الازدواجية تظهر في معاملة الضحايا: بينما يُحتفل بإطلاق 20 رهينة إسرائيلي، يُعامل 1900 أسير فلسطيني كـ”مكافأة” لإسرائيل، معظمهم متهمون بـ”رمي الحجارة”. هذا يعكس التحيز الغربي، الذي يرى الدم الإسرائيلي “ثمينًا” والدم الفلسطيني “رخيصًا”، كما وثقته منظمات حقوقية مثل “هيومن رايتس ووتش”.

خدع الصهيونية؛ فخ المقاومة وكيفية تجنبه

الخدعة الصهيونية في قمة شرم الشيخ تكمن في تحويل وقف إطلاق النار المؤقت إلى استسلام دائم. إسرائيل، التي رفضت الحضور، تستفيد من الاتفاق لإعادة تنظيم قواتها، كما حدث بعد وقفات إطلاق نار سابقة في 2023، حيث استأنفت الهجمات بعد أسابيع.

نتنياهو، المطلوب أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهم جرائم حرب، يرى في الخطة “انتصارًا هائلًا”، كما قال في بيانه، لأنها تُلزم حماس بنزع السلاح دون مقابل، مما يُعيد غزة إلى “حكم ذاتي” تحت السيطرة الإسرائيلية.

بالإضافة إلى ذلك، الخطة تشجع على “تطبيع” العلاقات العربية-الإسرائيلية، كما في اتفاقيات إبراهيم، حيث غابت السعودية والإمارات عن القمة لتجنب الظهور كـ”متواطئين”. هذا يضعف المقاومة إقليميا، خاصة مع دعم قطر وتركيا للاتفاق، اللتين تعتبر حليفتين للمقاومة، لكنهما وقعتا تحت ضغط أمريكي.

للمقاومة أن توعى لهذه الخدع وتتجنب الخسارات باتباع استراتيجيات:

  • 1. رفض الاستسلام الجزئي: لا تقبل حماس نزع السلاح دون ضمانات دولية ملزمة لانسحاب إسرائيلي كامل وإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، بما في ذلك القدس الشرقية.
  • 2. تعزيز الوحدة الداخلية: التنسيق مع السلطة الفلسطينية والفصائل الأخرى لمواجهة محاولات التفرقة، كما في “مجلس السلام” الذي يُدار من الخارج.
  • 3. الاعتماد على الدعم الشعبي: استغلال الغضب العالمي، كما في الاحتجاجات الأوروبية والأمريكية ضد الحرب، للضغط على الغرب، بدلاً من الاعتماد على الوسطاء.
  • 4. التحضير للمراحل اللاحقة: بناء قدرات عسكرية سرية ودبلوماسية إقليمية مع إيران وسوريا لمواجهة أي انتهاك إسرائيلي، كما حدث بعد فشل اتفاقيات سابقة.

كما قال محلل في “بيبولز ديسباتش”، فإن قمة شرم الشيخ “ترسم طريقًا لسلام أمريكي” يُفرض على الفلسطينيين، لكن المقاومة يمكنها قلب الطاولة بالصمود والوعي.

السلام الحقيقي يبدأ بالعدالة، لا بالخداع!

قمة شرم الشيخ لم يكن قمة سلام، بل احتفال بـ”نصر” إسرائيلي مدعوم غربيًا، يُغطي على دماء الشهداء في غزة. ازدواجية المعايير الغربية، التي تُدين الضحية وتُبرئ الجلاد، والخدع الصهيونية التي تحول التهدئة إلى احتلال، تُثبت أن السلام الحقيقي لن يأتي من واشنطن أو القاهرة، بل من صمود المقاومة.

يجب على الفلسطينيين، وخاصة قادة حماس، أن يتعلموا من التاريخ: كل اتفاق غير متوازن يُعيد إنتاج الصراع. اليوم، بعد أقل من أسبوع من القمة، عادت إسرائيل لقصف غزة، مُثبتة أن الخدعة نجحت جزئيًا. لكن المقاومة، إذا وعَت، ستحول هذه الخسارة إلى انتصار، فالأرض الفلسطينية ليست للبيع، والحرية ليست للتنازل.

المصدر: كويت24