أهمية الوعي الاعلامي تحت المجهر/ هوس مرضى بنظرية المؤامرة أم واقع لا يمكن تجاهله؟
حرب الرسائل الخفية في مجال أهمية الوعي الاعلامي له دور خاص لا يمكن تجاهلها و في هذه المقالة سنتعرض الى بعض آثار المدمر الذي ينتج من تجاهل أهمية الوعي الاعلامي في المجتمع الاسلامي.
في مشهد غريب بأحد الأعمال الدرامية التركية ظهر البطل وفي الخلفية صوت الأذان معكوساً مرت هذه اللقطة على آلاف المشاهدين مرور الكرام لكنها لم تمر بالكيفية نفسها على الباحثين، أو المستيقظين، أو الذين لا يتجاهلون عن أهمية الوعي الاعلامي أو أنصار نظرية المؤامرة، أو سمهم ما شئت.
توقف هؤلاء أمام هذا المشهد الغريب وتساءلوا عما إذا كان هذا الفعل جائزًا أم حراماً شرعاً وعن الغرض منه؟ وهل يمكن اعتبار هذا المشهد إحدى الرسائل الخفية أو الرسائل المموهة التي يوجهها الإعلام نحو العقل الباطن للسيطرة عليه والتلاعب به وتوجيهه لاعتناق رؤية أو فكرة ما في الاذهان التي تتجاهل أهمية الوعي الاعلامي؟
أهمية الوعي الاعلامي
قبل أن نبدأ بحثنا في مجال أهمية الوعي الاعلامي في هذا الأمر كي نصل إلى إجابة مُقنعة يجب أولاً أن نكون على دراية ببعض الأمور:
- أولها وقبل أي شيء: ما هي الرسائل الخفية؟ وما الغرض منها؟و ماهو دورها في فهم أهمية الوعي الاعلامي
- ولماذا توجه إلى العقل الباطن؟ وما هو العقل الباطن؟
قبل بداية البحث عن أهمية الوعي الاعلامي، دعنا نتفق على أن العقل يختلف عن الدماغ. فالدماغ هو المكون المادي، أي كتلة الخلايا التي تتحكم في الوظائف بينما العقل مكون غير مادي، لكنه يعتمد في عمله على المكونات المادية في عملية تسلسلية معقدة تماماً مثلما يعتمد نظام التشغيل في الحاسب الآلي على المكونات المادية للجهاز.
و لتكمل علمنا عن أهمية الوعي الاعلامي علينا نعلم أن العلماء قاموا بتقسيم العقل البشري إلى أربعة مستويات هي:
- العقل الواعي
- والعقل الباطن
- والعقل اللاواعي
- العقل الكوني أو الحقل المورفنجيني
مع ملاحظة أن هناك خلافاً حول هذا الأمر فبعض العلماء دمجوا العقل الباطن والعقل اللاواعي في تصنيف واحد ورأى آخرون أن الحقل المورفنجيني أو العقل الكوني مجرد نظرية فلسفية بلا دليل علمي ولكنهم يتفقون في مدى أهمية الوعي الاعلامي .تعال نشرح الأمر الذي يعتبر مقدمة للوصول الى مدى أهمية الوعي الاعلامي بأكبر قدر ممكن من الاختصار كي نصل في أسرع وقت لهدفنا.
المستوى الأول من العقل هو العقل الواعي
وهو من أهم المواضيع التي نتطرق اليها في مجال أهمية الوعي الاعلامي. العقل الواعي هو المستخدم في أداء العمليات الحسابية والمنطقية، والحكم، والتفسير،واتخاذ القرار ويعتمد في عمله على الاستدلال، والاستنتاج وهو مخزون المعارف، والقوى الإدراكية التي تتضمن الوعي، والمعرفة، والتفكير، واللغة، والذاكرة وغيرها من النشاطات الذهنية التي يمكن تنميتها، وقياسها، وتحليلها كما يتمتع العقل الواعي بقدرات التخيل، والتمييز، والتقدير، ومعالجة المشاعر والأحاسيس والانفعالات وما إلى ذلك من عمليات يمكن رصدها، وتحليلها، وفي بعض الأحيان قياسها ولكن أهمية الوعي الاعلامي لا تكمن في هذا فحسب.
- ما هو عمل العقل الواعي؟
على الرغم من أننا لا نعرف ماهية هذا العقل الذي يرتبط بفهم أهمية الوعي الاعلامي، باختصار، إننا نستعمل العقل الواعي أثناء اليقظة لأداء المهام العقلية المتنوعة بهدف حل المشكلات و الحكم على الأمور، أو اتخاذ القرارات.
وتعتمد قدرات هذا العقل على المعارف التي يكتسبها الفرد طوال حياته وعلى الرغم من تعدد النظريات التي تتناول العقل، إلا أنه يمكن تلخيصها إلى نظريتين فقط:
- ١. النظرية الأولى تعتمد على الفكر الديني وتركز على العلاقة بين العقل والروح باعتبارها الجوهر الإلهي المفترض للذات الإنسانية.
- ٢. أما النظرية العلمية فتعتبر العقل إحدى ظواهر علم النفس، ومرادفاً للوعي.
هناك خلاف أيضاً حول بنية العقل، والعوامل التي تسهم في تكوينه إذ يرى البعض أن الوظائف العليا مثل الذاكرة والتفكير هي المكونات الأساسية للعقل أما الأحاسيس فهي مكونات بدائية فطرية لا علاقة لها بالعقل بينما يرى البعض الآخر أن الجوانب العقلانية والعاطفية وحدة واحدة لا تتجزأ وعليه يمكن اعتبار العقل جوهراً إلهياً، أو مكوناً مادياً في القرن الثامن عشر طرح الفيلسوف الإيرلندي جورج باركلي نظرية اللامادية
والمعروفة أيضاً باسم: نظرية المثالية الذاتية:
وفيها نفى الوجود المادي للأشياء، واعتبر هذه الأشياء المألوفة لنا كالمباني والأكواب والطاولات والمقاعد وما إلى ذلك من أشياء مجرد فكرة في عقل الله، بحيث لا وجود لها خارج الإدراك يبدو أن صنّاع فيلم “ماتركس” يعرفون هذا الرجل جيداً لكن العلماء رفضوا وانتقدوا هذه النظرية المتطرفة.
وفي القرن التاسع عشر قدم توماس هنري هكسلي رؤية حديثة استند فيها على آراء عالم الرياضيات والفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز وأشار هكسلي إلى أن العمليات العقلية هي نتاج عمليات فيزيائية. أي ربط بين الدماغ والعقل بمعنى أبسط، فإن النشاط العقلي وقدراته تعتمد على خلايا الدماغ.
وفي أوائل القرن العشرين طرح الطبيب النمساوي الشهير سيجموند فرويد نظرية العقل اللاواعي:
نظرية العقل اللاوعي:
فاقترح سيجموند فرويد فكرة تُفيد بأن العمليات العقلية الواعية هي مجرد جزء صغير من العمليات العقلية الفعلية وأن العقل البشري يمتلك عقلاً خاصاً به لا نعرفه ولا نستطيع التحكم به، أو الوصول إليه إلا عن طريق التحليل النفسي وفهم الأحلام وهكذا جمع فرويد بين المذهب الجوهري للعقل، والمذهب العلمي وعلى الرغم من معارضة العلماء لنظريته كونها غير قابلة للاختبار والبرهنة.
إلا أنها حظيت بشعبية كبيرة، خاصة بعد التطور العلمي الهائل الذي شهده العالم في القرنين العشرين، والحادي والعشرين وظهور العقول الاصطناعية البسيطة، ثم الذكاء الاصطناعي المعقد إن هذا الجمع الذي قام به فرويد في نظريته قد لقيَ قبولاً واسعاً استناداً إلى فرضية مفادها لو أن النشاط العقلي هو نشاط فيزيائي بحت لتمكن البشر من صناعة آلات بعقول مشابهة للبشر.
لكن هذا لم يحدث فعلى الرغم من التقدم الذي حققه الذكاء الاصطناعي، إلا أنه لم يصل بعد إلى حالة الوعي الذاتي ولن يصل إليها بحسب آراء الكثير من العلماء لأن النشاط العقلي ليس نتاج عمل مجموعة من الخلايا والتفاعلات الكيميائية، والإشارات الكهربية وحسب، بل إن الأمر أعقد وأعمق من ذلك إذن، فالعقل الواعي هو العقل الذي نستخدمه في حالة اليقظة لأداء كافة المهام والعمليات الحسابية والمنطقية التي نعرفها وقدراته محدودة، خاصة قدرات الذاكرة.
- فالذاكرة:
هي عملية معالجة مُعقدة تسمح بتخزين واسترجاع المعلومات وتعتمد على الانتباه، حيث إن الأمور التي لا ننتبه لها لا يمكن تخزينها واسترجاعها وهذا السبب الرئيسي الذي يجعلنا غير قادرين على تذكر كل الأحداث والمعلومات التي تمر علينا حتى في يوم واحد
بل غالباً نتذكر نوعين فقط من الأحداث:
- الأول هو الأحداث التي انتبهنا لها وقررنا حفظها في الذاكرة
- والثاني هو الأحداث التي ترتبط بعاطفة
فالحدث الذي يثير مشاعر الحزن أو الفرح أو الاشمئزاز أو الحب أو الكراهية يستقر في الذاكرة وهذا -وفقاً لعلماء النفس- ما يجعل المرأة قادرة على تذكر تفاصيل صغيرة لأن العاطفة لديها أقوى من الرجل ولهذا ينصح المُعلمون الطلاب بأهمية ربط المعلومات التي يصعب تذكرها بعاطفة ما هذه العاطفة تُساعد على تثبيت المعلومة في الذاكرة.
إن قدرات الانتباه في العقل الواعي محدودة، وقدرات التخزين محدودة أيضاً. لذلك لا نُخزّن في الذاكرة إلا المعارف المهمة أو الأحداث الكبيرة نوعاً ما.
سؤالين مهمين للغاية
ولكن، ماذا عن عشرات ومئات وآلاف وملايين الأحداث الصغيرة والمعلومات العرَضِية التي تمر علينا ولا ننتبه لها، أو نتجاهلها هل تذهب هباءً، أم أنها تُخزن في العقل الباطن أو العقل اللاواعي؟ وهل هذا العقل حقيقة، أم مجرد افتراض؟
إنك حين تصعد درجات سلم منزلك، أو محل عملك، أو أي بناية اعتدت على صعود درجات سلمها ففي أول مرة تفعل ذلك، تنظر إلى الدرجات قبل أن تبدأ تخطو خطواتك الأولى في هذا الوقت فإن العقل الواعي يقوم بحساب ارتفاع الدرجات وعددها التقريبي ثم يُخزن هذه المعلومات لاسترجاعها في المرة الثانية، والثالثة، والرابعة في كل مرة، تخطو بحذر لكن مع التكرار تكتشف أنك تصعد أو تنزل دون النظر إلى الدرجات ودون تفكير أيضاً، وربما بسرعة حتى في الظلام.
الأمر نفسه عندما نتعلم قيادة الدراجة الهوائية، أو الدراجة البخارية، أو السيارة أو مع العادات التي تتكرر إن هذه العملية واحدة من أكبر الشواهد التي تشير إلى حقيقة وجود العقل الباطن فعند تكرار أمر ما، فإن العقل الواعي ينقل المعلومات الخاصة بهذا الأمر إلى عقل آخر كي يستفيد من المساحة التخزينية المحدودة.
هذا العقل الآخر هو العقل الباطن أو العقل اللاواعي ويقع في مستوى أعمق من العقل الواعي وله قدرات تفوقه بمراحل من حيث القدرة التخزينية، واتخاذ القرار لأنه لا يعتمد على المعلومات المتوافرة فقط، بل على معالجة هذه المعلومات والقيام بكافة العمليات العقلية كالإدراك، والذاكرة، والتعلم، والفكر بسرعة قد لا نتخيلها وقد ذكر بعض العلماء أن للعقل الباطن دوراً كبيراً في النشاط المعرفي وله قدرات تفوق قدرات العقل الواعي.
يرجع ذلك إلى قدرته على جمع البيانات بمعدل أسرع، وتحليل هذه البيانات بسرعة واستخدامها للتأثير في عمليات صنع القرار أي إنه القوة الحقيقية والكامنة والمحركة للعقل الواعي وكما أسلفنا، فإن قدرات الانتباه والتخزين لدى العقل الواعي محدودة في حين أنها غير محدودة في العقل الباطن والذي يمكنه الانتباه لكل شاردة وواردة، وكل تفاصيل البيئة المحيطة وتخزينها في الذاكرة العميقة دون أن يتدخل العقل الواعي في هذه العملية.
وعلى الرغم من خلاف العلماء حول طبيعة العقل الباطن وآليات عمله إلا أنهم استطاعوا بناء وطرح فرضيات واختبارها.
- فرضية: أثر وهم الحقيقة
والتي تُشير إلى أن الشخص يكون أكثر قابلية للاقتناع بصحة معلومة ما عندما تطرح أمامه خلال مناقشة ما إذا كانت -هذه المعلومة- قدر مرت عليه من قبل ولو بطريقة عابرة ودون انتباه منه أو تركيز وهذه الفرضية أو التجربة التي قام بها علماء النفس عام 1977 هي الأساس الذي قامت عليه فيما بعد حرب الرسائل الخفية، أو الرسائل المموهة في مجال أهمية الوعي الاعلامي.
لكن قبل أن نخطو فوق أرض هذه الحرب، دعنا نستكمل حديثنا عن العقل الثالث.
العقل الثالث
وهو المستوى الأعمق من العقل الباطن عرفنا أن العقل الواعي هو مركز الإدراك بينما العقل الباطن هو مخزن الذكريات والرغبات. وأن الأفكار والأحداث والمعلومات التي مرت على العقل الواعي مرور الكرام لا يتم حذفها، وإنما تُخزن في أعماق العقل الباطن فتؤثر في توجيه المُعتقدات والمشاعر، والحكم، واتخاذ القرار، حتى دون وعي منا و هذا هو من أهم الموضوعات التي تعرض لنا أهمية الوعي الاعلامي.
هكذا شرح فرويد الأمر ومع ذلك، ذهب عالم النفس السويسري كارل جوستاف يونج إلى ما هو أبعد.
- نظرية كارل جوستاف يونج
فقام بتقسيم العقل الباطن أو العقل اللاوعي إلى قسمين، هما
- اللاوعي الشخصي: هو ذكريات وتجارب فرد واحد
- أما اللاوعي الجماعي: هو ذكريات وتجارب الجنس البشري كاملاً
والتي تنتقل من جيل إلى جيل، بل ويتشاركها أفراد الجيل نفسه في اللحظة ذاتها واستناداً إلى فرضية اللاوعي الجماعي، قام البريطاني ألفريد روبرت شيلدريك بتطوير واحدة من أهم وأغرب النظريات الحديثة
وهي نظرية الحقل المورفنجيني أو العقل الكوني:
في هذه النظرية، افترض شيلدريك أن الدماغ البشري ليس سوى قناة تواصل مع عقل كبير تُخزن فيه كل المعارف والتجارب والخبرات البشرية أولاً بأول أي أن جميع العقول البشرية متصلة بعقل مركزي مثل شبكة التواصل بين أجهزة حاسوب شخصية، وجهاز مركزي عملاق.
وشبه الأمر بجهاز التلفاز الذي يستقبل الإشارات الكترومغناطيسية، فيستطيع عرض الصورة لكنه ليس محطة البث وقد أجرى شيلدريك عدة تجارب لإثبات صحة نظرية منها التجربة التي قام خلالها بعرض أحجية للمشاهدين على محطة البث البريطانية ثم قام بحلها وفي الوقت نفسه، قام فريق تابع له بعرض أحجية أخرى على بعض الناس في شوارع المدينة، وقاموا أيضاً بحلها.
أي أن حل الأحجية الأولى أصبح معروفاً لملايين المشاهدين بينما الأحجية الثانية لا يعرف حلها سوى نفر قليل بعد ذلك سافر الفريق إلى مناطق نائية في العالم لا يصلها بث شبكة BBC وعرضوا الأحجيتين على الناس فكانت النتيجة أن الناس استطاعوا حل الأحجية الأولى بسهولة أكثر من الأحجية الثانية.
استنتج شيلدريك من التجربة أنه كلما زاد عدد الأفراد المشتركين في فكرة أو معرفة معينة زاد الوعي الجماعي بها، وزاد تأثيرها.
تبدو فكرة مجنونة، أليس كذلك؟
لقد واجهت هذه النظرية بالفعل معارضة شديدة من المجتمع العلمي حيث صنّفوا أبحاث شيلدريك كنوع من العلوم الزائفة ومع ذلك، فإن هذه النظرية مدعومة بشواهد كثيرة من بينها قدرة الأطفال على التعامل مع الأجهزة الحديثة فلو أنك أهديت جدك هاتفاً ذكياً فسوف تُعاني معاناة شديدة في سبيل تعليمه كيفية التعامل مع هذا الجهاز.
في حين يمكن لطفلك الصغير الذي لم يتجاوز ثلاث أو أربع سنوات أن يتعامل مع هاتفك بسهولة يفتح تطبيق يوتيوب أو اينستاغرام أو واتساب أو غيره من المنصات التواصل و يبحث بالصوت عما يريد، يتصفح المحتوى حتى أنه يعرف كيف يتخطى الإعلانات.
إنه يفعل ذلك كله دون أن يعلمه أحد مثال آخر طرحه أحدهم وهو أننا نادرًا ما نرى الهواتف الذكية في أحلامنا بينما الأجيال الجديدة -التي ولدت بعد انتشار هذا الجهاز- يرونه في أحلامهم بشكل طبيعي ويُقال أن السبب وراء ذلك كون الهواتف الذكية أصبحت جزءًا من حياتهم اليومية.
وفكرة مألوفة بالنسبة لهم، على خلاف الأجيال السابقة هذه ليست أكثر من شواهد لا ترقى بطبيعة الحال إلى مستوى البرهان لذا فما زالت حقيقة العقل الباطن مجهولة، وما خفي من قوته أعظم.
لكن المعلوم يقيناً أن هذه القوة سلاح ذو حدين فهناك عشرات ومئات الأبحاث والكتب والتدريبات التي تُشجع الإنسان على توجيه المعلومات والمعارف إلى العقل الباطن باعتباره أقوى وأكثر قدرة من العقل الواعي وتتضمن هذه الاستراتيجيات تدريب العقل الباطن على توجيه السلوك، وَمَلكة الحكم توجيهاً صحيحاً.
ذلك أحد الحدين!
أما الحد الآخر، فلو كان الإنسان غير واعٍ بقوة عقله الباطن فمن السهل التلاعب به وتوجيهه بأساليب وألعاب وحِيل كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر التأطير، والمحفزات اللا شعورية
- التأطير: يعني التركيز على جزء معين من الصورة لإخفاء التفاصيل الأخرى بهدف تحفيز اللاوعي، والتأثير عليه.
ولا يخفى على أحد قدرة الآلة الإعلامية الجبارة على توجيه العقل الباطن كي يتعاطف مع مجرم، ويتهم بريئاً
هذه الآلة الجبارة:
- جعلت من إبادة الهنود الحُمر خطوة حضارية
- ومن الاعتداء الأمريكي على فيتنام رسالة إنسانية
- ومن العراقيين متمردين،
- ومن الفلسطينيين إرهابيين
- ومن المسلمين قتلة وسفاحين
في المُقابل:
- صوَّرت اليهود باعتبارهم أبطالاً ينقذون العالم
- أو ضحايا لحكم النازي
هكذا ترسم مرآة الإعلام المُضللة صورة ذهنية تترسخ في العقل الباطن حتى لدى ضحاياها أنفسهم وتوجه هذا العقل الباطن المتحكم في العقل الواعي كي يتبنى أفكاراً معينة ويؤمن بفرضيات وخرافات كأنها ثوابت ثم تتكرر هذا الصورة -مراراً وتكراراً- حتى تعمى العيون عن الحقيقة ولو كانت واضحة جلية كوضوح الشمس.
ولا يأتي هذا التأطير بمفرده، بل يأتي مدعوماً بجهل المتلقي و تجاهله عن أهمية الوعي الاعلامي فالأمة الجاهلة:
- يسهل غزو أفكارها، وتدمير عقول شبابها عن طريق الترويج للشذوذ الجنسي باعتباره طبيعة بشرية
- ونشر ثقافة التحرر والسفور والفجور باعتبارها حرية شخصية
- والتشكيك في الأديان ونفي وجود الله تعالى باعتباره صيحة عصرية
وعلى هذا الدرب نصل إلى مرحلة نجد فيها من يرفع شعار: أنا أؤمن بالعلم
وكأن العلم صار إلهاً يُعبد من دون الله أو كأن العلم الحقيقي لا يُثبت وجوده ونجد أيضاً من يقع ضحية مغالطة منطقية فيقول بأننا متخلفون لأننا مؤمنون، والغرب متقدم لأنهم غير مؤمنين.
إذن و بعد التغافل عن أهمية الوعي الاعلامي نستنتج أن الدين هو سبب التخلف ويكرر ببغاوات الإعلام المُضلل هذه النتيجة مراراً وتكراراً على العقول المُغيبة حتى تترسخ في العقل الباطن، بينما الحقيقة معكوسة تماماً.
فيوم كان العرب والمسلمين متمسكين بدينهم، كانوا سادة العالم ولم نتخلف إلا بعدما فرطنا في جوهر الدين، وشُغلنا بقشوره هذه مجرد أمثلة عارضة للتأطير الذي نجح في خداع العقول.
أما المحفزات اللا شعورية
فهي الصور أو الأصوات التي يتم عرضها إما بصورة مُشفرة أو في خلفية مشهد معين لفترة زمنية قصيرة جداً قد لا تتجاوز في بعض الرسائل جزءاً من مائة جزء من الثانية وفي كلتا الحالتين يصعب على العقل الواعي الانتباه لها أو إدراكها في حين تترسخ في اللا شعور.
وتتحول إلى محفزات اُصطلح على تسميتها بالرسائل الخفية أو الرسائل المموهة و لها مكانة خاصة في مجال الوعي الاعلامي، وهي نوع من الرسائل الموجهة بصرياً أو سمعياً والتي يصعب إدراك هدفها لكنها تدخل إلى العقل الباطن باعتبارها أوامر داخلية بهدف تمرير فكرة معينة وتعتمد على آلية التكرار لتعظيم فاعليتها.
والجدير بالملاحظة أن أغلب هذه الرسائل تستهدف الأطفال قبل الكبار إما لبث نوع من الطاقة السلبية، أو لتشكيل وتوجيه عقولهم البكر وبناء هذه العقول -بداية من هذه السن الصغيرة- على اعتبار
- غير المنطقي منطقياً،
- والغريب الشاذ مألوفاً
- والمرفوض المنبوذ جائزاً ويمكن قبوله
وعلى الرغم من عدم وجود بحث علمي يؤكد حقيقة هذه الرسائل وأن البعض ينسبها إلى نظرية المؤامرة إلا أن وجودها المُلاحظ يُثير الريبة والشك والأمثلة عليها لا تُحصى في الأفلام، والدراما، والأغاني، والإعلانات، ووسائل التواصل وكل وسيط يصل إليه سمع أو بصر الإنسان.
ويُعد فيلم الرسوم المتحركة القصير: أنا الماعز الأليف أحد أشهر الأمثلة على الرسائل المُشفرة.
تحليل مختصر لفيلم “أنا الماعز الأليف”
وهو الفيلم الذي يعتبر أحد اشهر الافلام لعرض أهمية الوعي الاعلامي و تناوله العديد من الباحثين بالفحص والتمحيص لتفسير هذا الكم الهائل والمكثف من الرموز الخفية التي يعرضها بداية من عنوان الفيلم نفسه الذي يحمل شارة: الجزء الثاني على الرغم من عدم وجود جزء أول مُعلن عنه.
وكأن القصة تعرض جزء ثانٍ مُكمل لجزء أول غير مكشوف في حياة البشر حوالي سبع دقائق فقط تبدو وكأنها سجل تنبؤات بالمستقبل.
وإذا قمت بالبحث عن هذه التفسيرات؛ فسوف تندهش من منطقيتها لكن دعنا نتوقف عند نقطتين لم يتعرض لها أحد بالتفسير على قدر بحثنا.
هذا الفيلم تم إصداره في عام 2012 وفي نهايته مشهد لانهيار كنيسة تشبه هذه الكنيسة بشكل كبير كاتدرائية نوتردام التاريخية والتي احترقت وانهارت بالفعل بعد سبع سنوات في أبريل 2019.
الأمر المُثير للدهشة ليس فقط تنبؤ الفيلم بهذا الحدث بل إن الكاتدرائية انهارت بالطريقة نفسها التي صورها الفيلم ثم مشهد آخر يصور صعود وارتقاء رجل بزي صوفي من بين حطام قبة مسجد تعرضت لقصف الطائرات وكأنها إشارة إلى صعود الإسلام في آخر الزمان بعد محاولاتهم لتدميره.
- إذن، هل يعلمون بمجريات الغيب؟
أرجوك، لا تكن ساذجاً إلى هذا الحد فهذه ليست تنبؤات، ولكنها مُخططات ورؤى مبنية على فهم عميق للأديان وبخاصة الإسلام وما أخبر به عن أحداث آخر الزمان والغرض من عرضها ليس كشف هذه المخططات للناس بل بث روح اليأس والقنوط من خلال إظهار أنفسهم في مظهر القوة التي لا تُبارى كأنهم آلهة تعلم الغيب
ومن ذا الذي يجرؤ على مواجهة آلهة؟
مثال آخر لهذه الرسائل المشفرة ذلك الإعلان الذي عُرض على شاشة التلفازيون المصري في رمضان عام 2013 مجرد إعلان عادي لشركة بيبسي للمشروبات الغازية لكن بعض الباحثين في الأمر أوضحوا أنه مليء بالرسائل المشفرة.
وأن مشهد مرور الشاب في ردهة الفوانيس -على سبيل المثال كان إسقاطاً على كونها ردهة مقابر ولعل لا يخفى على أحد ما حدث بعد ذلك من أحداث عنف في مصر أودت بحياة مئات الشباب.
هذا مجرد غيض من فيض!
قد يعتبره البعض من قبيل المصادفات، أو الخزعبلات، أو الهوس بنظرية المؤامرة لكنها شواهد تقرع جرس إنذار في العقل خاصة حين ننتبه إلى الموسيقى المصاحبة لمثل هذه المقاطع، وتردداتها، وتأثيرها النفسي.
أما أمثلة الرسائل المموهة السمعية والبصرية فهي تقريباً بلا حصر وتشمل الكلمات التي تُكتب بطريقة لا تجعل العقل الواعي ينتبه لها وأشهر هذه الكلمات على الإطلاق هي كلمة SEX.
في ما سبق من المقالات تطرقنا إلى هذه الكلمة التي كتبتها السحب فوق الصورة الوحيد الحقيقية والكاملة لكوكب الأرض كما تقول وكالة ناسا هذه الكلمة موجودة أيضاً في الصفحة الافتتاحية لمنصة التواصل الشهيرة فيسبوك وفي أفلام الرسوم المتحركة، وفي الإعلانات سواء بصورة صريحة، أو بما يُشير إليها من كلمات ورسوم ورموز تؤدي الغرض نفسه.
وهو برمجة العقل الباطن على تقبل الجنس والشذوذ أو تمجيد الشيطان ورموزه هذا بالإضافة إلى الكلمات أو الجمل: المنطوقة الغامضة وهي كلمات لها ترددات معينة تدخل الأذن ويُترجمها العقل الباطن بطريقة مختلفة عن العقل الواعي على سبيل المثال: ماذا يقول هذا الصوت؟
اسمعه مرة أخرى وستجد أنه يقول كلمة أو جملة تحمل ثمان معان مختلفة منطوق واحد لكن يمكن سماعه بمعان مختلفة هل لاحظت ذلك؟
هذه فكرة المنطوق الغامض، وتشبهها فكرة “التعريض” أو المعنى المزدوج وهي أن تحمل جملة أو كلمة معنيين أو أكثر، أحدهما واضح في النطق والآخر خفي مستتر يستحضره العقل الباطن، وقد يفرضه على العقل الواعي.
وتعتمد هذه التقنية الخبيثة غالباً على العرض في قالب كوميدي فكاهي لتُضعف من مقاومة الوعي لها وإليك مثالاً على هذا النوع أيضاً تَعمد إخفاء جزء من الكلام بطريقة تحث العقل على التفكير واستحضار المعنى الغائب الذي يسهل على العقل الباطن تخمينه.
ولا تقتصر تقنية التعريض على الوسائط السمعية فقط، بل تشمل الوسائط البصرية أيضاً فهناك نوع من الرسومات اُشتهرت مؤخراً وهي طريقة يبدأ فيها الرسام بتصوير مشهد جنسي، ثم يتحول الرسم تدريجياً إلى مشهد عادي لكن بعدما يكون قد حقق الهدف، وبث الرسالة الخبيثة إلى العقل الباطن.
أخيراً وليس آخراً: الرسائل المعكوسة
وهي جمل أو كلمات تظهر على أنها عادية عند سماعها لكن عند عكسها يظهر معنى مختلفاً وتُستخدم هذه الطريقة في الأغاني غالباً كونها أحد أنماط الفن التي يسهل حفظها وترديدها.
وتكون في الغالب مصحوبة بموسيقى ذات نغمات بترددات معينة ما يُعزز تأثيرها في العقل الباطن في حين يكون العقل الواعي غائباً تماماً عن إدراك هذه الرسائل.
وبمثل هذه الطريقة ظهر الأذان معكوساً في المسلسل التركي كرسالة قد تكون إيجابية هذه المرة وكأن صُنّاع هذا العمل استخدموا نفس سلاح العدو وقد تكون سلبية لا يعرف أحد بالضبط المعنى الذي يحمله الأذان المعكوس في هذا السياق، أو الغرض منه لكن الجدير بالمعرفة أن نكون مدركين لوجود مثل هذه الرسائل و لانغفل أهمية الوعي الاعلامي كي لا نسمح لأحد بأن يتلاعب بعقلنا الباطن، ويُبرمجه ليعمل ضدنا.
وكما أسلفنا، فإن الأمثلة على التأطير، والمحفزات اللا شعورية، والرسائل الخفية لا تُحصى ويصعب حصرها لكن يمكنك البحث عنها بدلالة مصطلح: رسائل لا شعورية، أو رسائل خفية الظاهر وسوف تجد مئات منها.
إنها شيفرة من نوع شيطاني خبيث لأبعد حد تستهدف العقل الباطن المتحكم في العقل الواعي فتُعزز وتُرسّخ في الضمير الجماعي رسائل محددة الأهداف لنشر الجنس، والخلاعة، والشذوذ، والإلحاد وكل ما من شأنه فصم الإنسان عن الفطرة السليمة التي فطره الله عليها وزيادة الشرور والطاقة السلبية في العالم تمهيداً للمُخلّص إلههم الدجال الذي ينتظرونه جيلاً بعد جيل ويُمهدون له الأرض بكل ما استطاعوا من قوة.
فهم يعلمون أنه لن يخرج إلا “في خفقة من الدين، وإدبار من العلم” و التغافل عن أهمية الوعي الاعلامي أي عندما يختفي الدين والعلم الحقيقي أو يكادا يختفيان يعلمون أنه لا يخرج الدجال حتى يغفل الناس عن ذكره، وحتى تترك الأئمة ذكره على المنابر هل ما زلت تظن أن كل هذا من قبيل المصادفة؟
أو أوهاماً وخيالات أو هوس مرضي بنظرية المؤامرة؟ لا بأس، فسحر الصورة البراقة قوي وفي قديم الزمان كانت الطهارة عند قومٍ عيباً، فقالوا “أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ” لا بأس إن كنت لا تصدق فجرعة المُخدر أقوى بكثير من قدرتنا على إيقاظ نائم مُخدر لا يريد الاستيقاظ.
عزيزنا المتابع الكريم هل لاحظت رسالتنا الخفية، التي تكررت عشر مرات في هذا المقالة لنستيقظك من التجاهل عن أهمية الوعي الاعلامي؟
مصدر: كويت24