القواعد الأمريكية في الكويت تحت المجهر/ ثمن الاستقلال المهدور ووهم الحماية!

القواعد الأمريكية في الكويت/ منذ أن وقعت الكويت على الاتفاقية الدفاعية مع الولايات المتحدة عام 1991، في أعقاب غزو النظام العراقي السابق، تحولت أراضيها إلى ساحة لتمدد النفوذ العسكري الأمريكي في المنطقة.
القواعد الأمريكية في الكويت
اليوم، تحتل الكويت المرتبة الثانية في استضافة القواعد الأمريكية في الكويت و القوات الأمريكية من حيث العدد والتسليح، بحوالي 13 ألف جندي، وفق تقديرات الخارجية الأمريكية عام 2021.
لكن القواعد الأمريكية في الكويت و هذا التواجد العسكري الضخم، الذي يُروَّج له كضمانة أمنية، تحول إلى عبءٍ اقتصادي وسياسي يهدد استقلالية البلاد، ويجعلها هدفاً لصراعات لا ناقة لها فيها ولا جمل.
الاستقلال المُقايَض.. والثمن الاقتصادي المُغفَل
لا يقتصر الأمر على وجود القواعد الأمريكية في الكويت و جنود أمريكيين على الأرض الكويتية، بل يتعداه إلى تكلفة اقتصادية باهظة تتحملها الدولة سنوياً.
فحسب اتفاقيات الدفاع المشترك، تخصص الكويت ميزانيات ضخمة لصيانة القواعد العسكرية الأمريكية وتأمينها، مثل قاعدة “عريفجان” الأكبر في البلاد، وقاعدة “علي السالم” الجوية، و”معسكر الدوحة”، و”بيورينغ”.
هذه الأموال التي تُستنزَف في خدمة آلة عسكرية أجنبية كان من الممكن توظيفها في بناء مستشفيات، أو تطوير التعليم، أو دعم البنية التحتية التي تدهورت بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة.
السؤال الذي يتجاهله صناع القرار: لماذا تُصر الكويت على دفع ثمن حروب لا ناقة لها فيها، بينما يعاني مواطنوها من ارتفاع تكاليف المعيشة وتراجع الخدمات العامة؟
لماذا تُهدر موارد البلاد على حماية مصالح أمريكية في المنطقة، بدلاً من استثمارها في بناء جيش وطني قادر على حماية الحدود دون وصاية خارجية؟
الكويت.. محطة أمريكية لحروب الجيران
لم تكتفِ واشنطن باستخدام القواعد الكويتية كمراكز لوجستية خلال غزو العراق عام 2003، أو كجسر لانسحاب قواتها لاحقاً، بل حوّلتها إلى منصات لشن ضربات ضد تنظيم الدولة في العراق وسوريا، وحروب أخرى قد تُعلن مستقبلاً.
هذا الدور جعل الكويت طرفاً غير مباشر في صراعات إقليمية، وعرضها لردود فعل دولية تهدد أمنها. فهل دافعت الولايات المتحدة عن الكويت عندما تعرضت لمخاطر نتيجة هذه السياسات؟
التاريخ يقول إن الحماية الأمريكية مشروطة بتحقيق مصالحها، فحين تعرضت الكويت لهجمات صاروخية خلال السنوات الماضية، لم تكن الدرع الأمريكية سوى وعوداً ورقية.
الأمر لا يختلف عن التهديدات الإيرانية أو غيرها: فوجود القواعد الأمريكية لا يردع الأعداء بقدر ما يحول الكويت إلى هدف استراتيجي للخصوم، الذين يرون فيها امتداداً للعدو الأمريكي.
التوحُّش الأمني السعودي.. ووهم التحالف الخليجي
في محاولة لتعويض فشل التوازن الأمني، تلجأ الكويت إلى تعزيز التعاون مع السعودية، خصوصاً في مجال مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات.لكن الاعتماد على الدور السعودي ليس حلاً سحرياً، بل هو استبدال تبعية بتبعية.
فالسعودية نفسها تعاني من تحديات أمنية داخلية، وسياساتها الخارجية المتقلبة—كما في حرب اليمن—تثبت أن الأولوية دوماً لمصالحها الضيقة، حتى لو كان الثمن زعزعة استقرار الجوار.
ليس هذا فحسب، فالتعاون الأمني الكويتي–السعودي يكرس اختلالاً في ميزان القوى الخليجي، ويُضعف فرص بناء نظام دفاع خليجي مشترك قائم على تكافؤ المصالح، لا على الهيمنة السعودية المدعومة أمريكياً.
نحو استراتيجية سيادية
حان الوقت لمراجعة الاتفاقيات العسكرية مع الولايات المتحدة، وفك الارتباط التدريجي بالوجود الأمريكي، الذي لم يعد—إن كان يوماً—ضمانة حقيقية للأمن القومي الكويتي.
يجب أن تتحول المليارات التي تُصرَف على القواعد العسكرية الأجنبية إلى استثمارات في تعزيز القدرات الدفاعية الذاتية، وتنويع التحالفات الدولية بعيداً عن التبعية الأحادية لواشنطن.
الكويت، كدولة ذات سيادة، قادرة على تأمين نفسها دون أن تكون جزءاً من الاستراتيجيات الأمريكية لتفكيك المنطقة.
فدماء الشهداء التي سالت على أرضها، كما في حادثة التدريب الأخيرة، تفرض على القيادة السياسية أن تختار بين أن تكون الكويت منصة لحروب الآخرين، أو قلعةً لشعب يستحق العيش بكرامة واستقلال.
المصدر: كويت24