ميسي ونيمار في الدوري المصري.. تحفيز أم “احتراق نفسي”؟
في مدينة برج العرب بالإسكندرية وعلى بعد حوالي 12 ألف كيلومتر من مدينة روزاريو الأرجنتينية التي أبصر بها ليونيل ميسي النور، شهدت مباراة الأهلي والاتحاد السكندري بالدوري المصري مواجهة استمرت لـ16 دقيقة بين محمد حمدي “ميسي” ناشئ الفريق القاهري وأحمد عادل “ميسي” لاعب أصحاب الأرض.
ويضم الدوري المصري ميسي ثالث هو مصطفى سعد لاعب سيراميكا كليوباترا، هذا بالإضافة إلى جناح الزمالك سيد عبد الله “نيمار”، وأحمد رمضان “بيكهام” المعار من الأهلي لسموحة، ويمتلك فيوتشر في صفوفه كريم “نيدفيد” وعمر فتحي “سافيولا”، بينما يتواجد “دونغا”
بنسختين في الإسماعيلي وبيراميدز، وفي وسط ميدان طلائع الجيش يتمركز أحمد عبد الرحمن “زولا”، ويمتاز هجوم الاتحاد بأحمد محمد “إيتو”، ويلعب عبد الناصر محمد “دي ماريا” كجناح في فاركو، ويؤمن دفاع غزل المحلة محمد فتح الله “كماتشو” وهجومها عبد الرحمن عاطف “أغويرو”، والأشهر من بين هؤلاء جميعًا هو الدولي محمود حسن “تريزيغيه” جناح منتخب مصر.
وعلى الرغم من انتشارها في الدوري المصري، إلا أن ظاهرة تسمية اللاعبين بأسماء نجوم عالميين ليست جديدة، بل بدأت منذ عقود وزاد من تأججها بزوغ نجمي ميسي ورونالدو، مُنحت للاعبين لم يستمروا طويلًا أو تألقوا لموسم واحد واختفوا بعد ذلك وأثرّت على مسيرة آخرين.
ميسي الجديد وخليفة رونالدو
أجرت صحيفة “ذا سبورت” البولندية دراسة مفصلة باستخدام محركات بحث “غوغل” بين عامي 2010 و2020، أي بعد عام على فوز ميسي بأول كرة ذهبية في مسيرته وعامين على فوز رونالدو بالجائزة ذاتها”، على كلمتين فقط هما “ميسي الجديد” و”رونالدو الجديد”.
بعد تحليل أكثر من 1600 مقال، أشارت النتائج إلى أن الأرجنتيني باولو ديبالا هو أكثر من قيل عنه ميسي الجديد (38 مرة)، وبدأ انتشار اللقب في 2014 بعد عامين من دفاعه عن ألوان باليرمو الإيطالي، يليه بويان كركيتش (32) الذي يلعب الآن في صفوف فيسيل كوبي الياباني، أما عن “رونالدو الجديد” فقد وُصف جواو فليكس به في 24 مرة سابقة، يليه ممفيس ديباي وناني متساويين بـ19 مرة لكل منهما.
ولم تكن تلك الألقاب مسلطة على لاعبين يشبهون النجمين سواء في الشكل أو المهارة أو طريقة المراوغة فقط، فعلى سبيل المثال أُطلق على البلجيكي عدنان يانوزاي الذي يلعب حاليًا في ريال سوسيداد “خليفة رونالدو” 10 مرات، وعلى الجانب الآخر نال الباراغوياني خوان مانويل إيتوربي لاعب روما السابق ونادي أريس اليوناني الحالي لقب “خليفة ميسي” في 12 مناسبة.
ويعد نيمار هو أشهر من شبهوه بميسي بـ13 مرة، بينما قالت الصحافة عن مبابي أنه يسير على خطى رونالدو في 15 مقالًا.
وكشفت الدراسة أن لاعبي أندية برشلونة وريال مدريد ومانشستر يونايتد فضلًا عن المنتخب الأرجنتيني هم أكثر من وصفوا بأسماء النجمين، وأن اللاعبين الأوروبيين هم أكثر من قورنوا بميسي ورونالدو بـ51,3%، يليهم لاعبي أميركا الجنوبية بـ23.4%، ثم الآسيوين والأفارقة بـ8.7% و8.3% على الترتيب.
تذبذب مسيرة بويان
مسيرة بويان كركيتش أو ميسي الجديد بحسب الدراسة الماضية، لم تزدهر كما كان “متوقعًا لها”، فبعد بدايته الجيدة مع برشلونة ومزاملته لميسي ذاته، لعب موسمين لروما وموسم بميلان ومثّل ستوك سيتي، وأُعير إلى أياكس وماينز وألافيس، ثم انتقل إلى الدوري الأميركي وحاليًا ينشط في فيسيل كوبي الياباني وهو ابن الـ31 ربيعًا.
سجل بويان أكثر من 900 هدف في مراحل الناشئين ببرشلونة، وفي سبتمبر 2007 حطّم رقم ميسي وأصبح أصغر لاعب في التاريخ يشارك مع الفريق الأول لبرشلونة بـ17 عامًا و19 يومًا.
وقال بويان خلال حواره مع صحيفة “الغارديان” البريطانية في 2019: المساواة بميسي أنهكتني نفسيًا، في نهاية الأمر أنا أعلم إمكانياتي، أنا لست ميسي أنا فقط بويان، إذا قال الناس هذا اللاعب ليس ميسي الجديد، إذن معهم كل الحق، فأنا لست ميسي الجديد.
وتابع: الأمور حدثت بسرعة، كان عليّ أن أتعايش مع ذلك وأن يقول الناس أن مسيرتي لم تسر كما كان متوقعًا، أي مسيرة كنتم تتوقعون مني إذا قارنتوني بميسي؟
سجل بويان 10 أهداف في “الليغا” خلال موسمه الأول مع كبار برشلونة، وبدت أن مسيرته ستلمع حتى أثقلت كاهله المقارنات: كل شيء كان جيدًا في البداية، لكن رأسك يظل يمتلئ بالأفكار حتى تأتي لحظة معينة يخبرك جسدك فيها بأن تتوقف.
استمرت معاناة بويان حينما تم استدعاؤه للمباراة الأولى مع منتخب بلاده، يتذكر الفائز ببطولتي أوروبا تحت 17 و21 عامًا : كنت بخير لكن القلق تغلّب علي في النهاية، أصبت بالذعر ووضعوني على دكة البدلاء قبل البداية بدقائق، كانت تلك المرة الأولى التي أصاب خلالها بنوبة هلع لكنها لم تكن الأخيرة.
قبل يورو 2008، قرر مدرب إسبانيا لويس أراغونيس استدعاء بويان لقائمة “لا روخا” في البطولة، لكن الأخير رفض قبول الدعوة وخشي الذهاب وهو ما زاد حالته سوءًا: حينما حان وقت اليورو أدركت أنني لا أستطيع الذهاب وأردت أن أعزل نفسي قليلًا، المسؤولون في المنتخب كانوا يعرفون بمعاناتي، أخبرتهم أنني لا أستطيع التواجد، في اليوم التالي وجدت العنوان الصحفي: إسبانيا تستدعي بويان وبويان يرفض، هذا العنوان قتلني.
وأتم الإسباني حديثه مع “الغارديان” قائلًا: بعد كل تلك السنوات والمعاناة، أنا أحب كرة القدم، وفخور بمسيرتي ولا أحد يستطيع أن ينتزع ذلك مني، فخور بما عشته حتى إذا كان مليئًا باللحظات الصعبة، عليك فقط أن تكون قويًا، لا زال الأمر يمثّل لي ندبة تشعر بها بين الحين والآخر، الطريقة التي رآني بها الناس سببت لي الضرر.
“الاحتراق النفسي الذي يؤدي إلى الانسحاب المبكر”
وقال الأخصائي النفسي علي يوسف الغريب لـ”العربية.نت” عن ظاهرة تسمية اللاعبين وخاصة الناشئين منهم بأسماء لاعبين عالميين: هذه الظاهرة تؤثر على الصغار ومن وصلوا إلى مرحلة الاحتراف مبكرًا، قد لا يتحمّلوها أو لا يستطيعوا التغلب عليها إلا من خلال الاستشارة النفسية.
وتابع: الإعلام أو الجماهير قد تطلق تلك الألقاب اعتقادا منها أنها تحفز اللاعبين، ومدربين الفئات السنية أيضًا دائمًا ما يلجأوا إلى تلك الطريقة، في إحدى المرات طُلب مني التعامل مع لاعب صغير يلعب في مركز الهجوم بعد انسحابه من وسط منافسات الدوري الخاص به، ورفضه الذهاب إلى التدريبات.
وواصل: قال لي الطفل: زملائي والمدرب يريدون مني أن أسجل العديد من الأهداف، وأنا لا أستطيع أن أسجل كل هذا الكم.
وأتم: علميًا تسمى تلك الظاهرة التي تصيبهم بالاحتراق النفسي والذي يؤدي بدوره إلى الانسحاب المبكر من الرياضة التي يمارسها.
وينتج الاحتراق النفسي باختصار بسبب التعرض لضغوط دائمة وممتدة، وأعباء زائدة.
استراتيجية التحفيز
أقرّ المدرب المصري بدر رجب الذي اكتشف تريزيغيه ومن أطلق عليه هذا الاسم أنه دائمًا ما يستخدم أسماء النجوم العالميين لتحفيز لاعبيه.
وقال لـ “العربية.نت”: قدوة اللاعبين الصغار تتمثل في لاعبي الدوريات الأوروبية، دائمًا ما كنت أطلق الألقاب على اللاعبين حتى أحفزهم وأخلق لهم قدوة يتعلمون منها ويحرصون على تقليدها في الملعب.
وتابع: للأمانة أنا لا أعرف الأسماء الحقيقية لمعظم اللاعبين، حينما يكون لدي في قطاع الناشئين 100 محمد كيف سأفرق بينهم؟ لذا كنت ألقب المميز منهم.
وأكمل: هذه الأسماء تصبح سببًا في شهرتك بعد ذلك، هل ينادي أحد تريزيغيه بمحمود؟ لا بالطبع، جميع تلك الألقاب كانت تذهب للاعبين المميزين الذين تنبأت لهم بمستقبل جيد، لكن بالتأكيد أنا ضد منح لقب للاعب لا يستحقه.