المنتجات الأمنية الأمريكية/ في كل مرة تطلع فيها أخبار عن صفقة أمنية ضخمة مع الولايات المتحدة، الناس تنقسم بين اللي شايف إن أمريكا هي الخيار الآمن، واللي شايف إننا بندفع أضعاف اللي ممكن ندفعه لو لفينا على السوق شوي.
فعلاً، المنتجات الأمنية الأمريكية تحوّلت في كثير من الدول إلى رمز “للثقة العالية” لكنها بنفس الوقت صارت رمز للغلاء المبالغ فيه. فهل فعلاً بندفع أكثر مقابل جودة أعلى؟ ولا المسألة فيها نوع من التسويق السياسي والضغط الدبلوماسي؟
المنتجات الأمنية الأمريكية… الثقة مكلفة
بداية، ما نختلفش إن أمريكا تعتبر من أكبر الدول المصنعة والمصدرة للمعدات الأمنية والعسكرية، سواء كانت طائرات مقاتلة، طيارات بدون طيار، أنظمة دفاع جوي، أو حتى برامج مراقبة وحماية رقمية. لكن في مقابل هالتميز، في سعر عالي — مرات عالي بشكل غير منطقي.
خذ مثلًا الطائرة المقاتلة F-35. سعر الوحدة الواحدة يقترب من 80 إلى 100 مليون دولار حسب الطراز والتجهيزات. في المقابل، الصين تقدم JF-17 Thunder بالتعاون مع باكستان بسعر يبدأ من 25 مليون دولار تقريبًا.
الفرق هنا مش بسيط، يعني لو كنت تشتري 4 طيارات F-35، ممكن بنفس السعر تجيب 12 أو 13 طيارة JF-17. طبعًا في ناس تقول: الجودة مختلفة. صح، بس السؤال: هل الدول اللي تشتري فعلاً محتاجة أقصى درجات التقنية؟ ولا تقدر تكتفي بحلول “كافية” بسعر أقل؟
أنظمة الدفاع والمراقبة: نفس القصة تتكرر
الموضوع ما يوقف على الطيارات. حتى أنظمة الدفاع الجوي زي “باتريوت” الأمريكية، تعتبر من أغلى الأنظمة في السوق. بينما روسيا تعرض “إس-400” بسعر أقل بكثير وفعالية أثبتت نفسها في أكثر من مكان. تركيا مثلًا رغم كونها عضو في الناتو، قررت تتجه نحو روسيا وتشتري S-400 بدل من نظام أمريكي، رغم الضغوط الهائلة اللي تعرضت لها من واشنطن.
أما في مجال الأجهزة الأمنية المدنية، فالحديث يطول. المنتجات الأمنية الأمريكية في مجالات مثل أنظمة المراقبة، والتعرف على الوجوه، وتحليل البيانات الأمنية، تقدم حلول تقنية متطورة، بس بنفس الوقت أسعارها نار.
بالمقابل، الصين صارت رائدة في مجال الكاميرات الذكية وأجهزة المراقبة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، وبأسعار منافسة جدًا. كثير من الدول الأفريقية وآسيوية اعتمدت حلول صينية بدل الأمريكية، لأنها ببساطة “بتعمل الشغل المطلوب وبربع التكلفة”.
برامج الحماية السيبرانية؛ التقنية VS التكلفة
حتى في الفضاء الرقمي، المنتجات الأمنية الأمريكية تحتل مركز الصدارة. شركات مثل Palantir، Raytheon، وBooz Allen Hamilton توفر برامج تحليل بيانات ومراقبة سيبرانية للحكومات، لكنها بميزانيات تصل إلى مئات الملايين سنويًا. في المقابل، في حلول أوروبية وحتى مفتوحة المصدر (Open Source) بتقدم نفس الخدمات بشكل جيد، وأحيانًا مجانًا.
بلدان مثل إندونيسيا، ماليزيا، وحتى بعض دول أميركا اللاتينية، بدأت تبني قدراتها السيبرانية باستخدام حلول إقليمية أو تطوير محلي، بدل من الاعتماد على شركات أمريكية بأسعار خيالية.
ليش نصرّ على الشراء الغالي؟
السؤال هنا مش بس عن الأسعار، السؤال الحقيقي: ليش ما نراجع عقودنا الأمنية؟ ليش نروح دومًا على المنتجات الأمنية الأمريكية بدون ما نعمل مقارنة عادلة؟ في تفسيرات سياسية، طبعًا. أمريكا ما تقدم بس منتج، تقدم معاها نوع من “الضمان السياسي”. في دول تشوف إن الصفقة مع واشنطن تعني تقوية العلاقة، حماية دبلوماسية، وربما دعم عسكري وقت الأزمات.
لكن برضو، هذه العلاقة السياسية لها ثمن. مرات بندفع أكثر من اللازم، ونتورط في صفقات طويلة الأجل تصعب إعادة التفاوض فيها. مثلًا، كثير من المعدات الأمريكية تحتاج صيانة وقطع غيار وتحديثات دورية، كلها ما تقدر تعملها بنفسك، لازم ترجع للمصدر. يعني التزام مالي طويل مش بس دفعة أولى.
المشكلة الأكبر تظهر وقت الأزمات. لما تصير ضغوط اقتصادية أو تحديات في الموازنة، نلاقي نفسنا عالقين في التزامات بمليارات. وهنا يجي السؤال الطبيعي: لو كنا اشترينا بديل أرخص، أو بنينا قدرة محلية، كان ممكن نوفر الفارق في التعليم أو الصحة أو مشاريع البنية التحتية.
في 2020، مثلاً، أعلنت بعض الدول الخليجية تخفيض إنفاقها الدفاعي، لكنها بقيت ملتزمة بعقود ضخمة مع شركات أمريكية. أحد التقارير أشار إلى إن حوالي 20٪ فقط من الصفقات المعلنة تنفذ فعلياً، والباقي يظل على الورق أو يُعدل لاحقاً . يعني، مش بس بندفع كثير، أحيانًا بندفع وما نأخذ كل شيء مثل ما نتوقع.
أصوات بدأت تتغير
الخبر الحلو؟ في مؤشرات على التغيير. كثير من الدول صارت تعتمد على تنويع مصادرها. السعودية اشترت طائرات بدون طيار من الصين وتركيا، ومصر عززت شراكتها العسكرية مع روسيا وفرنسا. الإمارات استثمرت في تكنولوجيا محلية للمراقبة، واستوردت معدات إلكترونية من كوريا الجنوبية وألمانيا.
هذه التوجهات ما تعني الاستغناء الكامل عن **المنتجات الأمنية الأمريكية**، لكنها إشارة إن في وعي جديد، إن الدول صارت تبغى حلول مناسبة، مو بس “برستيج” أو استعراض.
مراجعة قبل التوقيع
في نهاية اليوم، المسألة مو بس عن التقنية، هي عن التوازن بين الجودة والسعر، بين السياسة والمصلحة. نحتاج نوقف لحظة ونقول: هل كل صفقة أمنية لازم تكون مع أمريكا؟ هل التكنولوجيا الغربية دومًا هي الأفضل؟ وإذا كانت الأفضل، هل سعرها مناسب للنتيجة؟
المنتجات الأمنية الأمريكية تظل متفوقة في مجالات كثيرة، لكن ما يمنع نفتح عيوننا على باقي السوق. ممكن نلقى حلول بديلة، نطور صناعتنا، أو على الأقل نضغط في التفاوض للحصول على أسعار أكثر عدلاً. في زمن كل دولار محسوب، العقلانية لازم تكون فوق كل اعتبار.
المصدر: كويت24 + موقع غلوبال فايرباور