الثورة الصناعية الرابعة و الذكاء الاصطناعي/ دمار الحياة أم تحسين المعيشة؟
حينما نتكلم عن الثورة الصناعية الرابعة و ارتباطه بالذكاء الاصطناعي، علينا أن نذهب الى الاخصاء في هذا المجال. آمبارو ألونسو بيتانزوس؛ عالمة حاسوب إسبانية ورئيسة الجمعية الإسبانية للذكاء الاصطناعي تقود مختبر البحث والتطوير في الذكاء الاصطناعي LIDIA في جامعة كورونا في إسبانيا.
بدأت آمپارو ألونسو بيتانزوس حياتها المهنية كمهندسة كيميائية، لكنها الآن تركز أبحاثها على الذكاء الاصطناعي وخاصة تطبيقه في العلوم الطبية. في عام 1998 حصلت على جائزة لوريال – يونسكو للنساء في العلوم في إسبانيا.
الثورة الصناعية الرابعة
بحسب تقرير فرارو نقلاً عن صحيفة إل باييس، فإن المنافسة للسيطرة على صناعة الذكاء الاصطناعي تعيد تعريف النظام الجيوسياسي العالمي و تعد الثورة الصناعية الرابعة. أي دولة تتمكن من السيطرة على هذه التكنولوجيا المتغيرة بسرعة ستحظى بمستوى غير مسبوق من السيطرة الاقتصادية وستدير وظائف جديدة على نطاق واسع. وفقًا للعديد من الاقتصاديين، نحن حالياً في خضم “الثورة الصناعية الرابعة”.
في مثل هذه الثورة الصناعية الرابعة أو الحرب على السلطة، فإن القوى الرائدة هي الولايات المتحدة، منطقة آسيا والمحيط الهادئ (خاصة الصين) والاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، كل منها يتبع نموذجًا مختلفًا لتطوير التكنولوجيا القائمة على الذكاء الاصطناعي.
تمتلك الصين أكبر عدد من الخريجين في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في العالم. من المتوقع أن تستثمر الصين أكثر من 38 مليار دولار بحلول عام 2027، مما يمثل حوالي 9٪ من إجمالي الاستثمار العالمي في الذكاء الاصطناعي.
في الصين، يقود الاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي بشكل رئيسي الحكومة، على الرغم من أن منصات التكنولوجيا الخاصة توجد أيضًا بأعداد كبيرة في البلاد. يتبنى الشعب الصيني نهجًا منفتحًا جدًا تجاه التكنولوجيا، مما يوفر للحكومة مجالًا هائلًا للتجريب: أكثر من 700 مليون مستخدم للإنترنت.
تم منع العديد من المنصات الأمريكية من دخول السوق الصينية، وتمتلك الصين عددًا أكبر بكثير من الخريجين في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات مقارنة ببقية دول العالم: حوالي 3.6 مليون في عام 2020، تليها الهند بـ 2.6 مليون، والولايات المتحدة بـ 820 ألفًا.
الدول الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي تصنف بين أفضل عشر دول من حيث عدد خريجي العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات هي فرنسا وألمانيا، حيث تخرجت 220 ألف و216 ألف شخص في هذه المجالات على التوالي.
حرب القوى بين الصين وأمريكا
في أغسطس 2023، أصدرت الحكومة الصينية بيانًا رسميًا يعبر عن “القلق” ردًا على الأمر الصادر من الحكومة الأمريكية بحظر الاستثمار في أشباه الموصلات والميكروإلكترونيات والتكنولوجيا الكمية والذكاء الاصطناعي الصيني. وتدعي الولايات المتحدة أن هذه القيود مفروضة لأن هذه القطاعات تلعب دورًا حاسمًا في تطوير القدرات العسكرية والاستخباراتية والرقابية والحسابية المتقدمة.
وفي حين أن القطاع الخاص هو القوة الدافعة للثورة التكنولوجية الحالية في الولايات المتحدة، يتم تمويل جزء كبير من البحث والتطوير من قبل وكالة مشاريع الأبحاث المتقدمة الدفاعية، وهي هيئة تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية مسؤولة عن تطوير التكنولوجيا العسكرية الجديدة.
مايكروسوفت والناتج المحلي الإجمالي لفرنسا
تعد أكبر شركات الذكاء الاصطناعي موجودة في الولايات المتحدة، حيث تحتكر هذه الشركات تقريبًا التطورات التكنولوجية الحالية وتعتبر قادة عالميين من حيث القيمة السوقية.
بدأت هذه الشركات الضخمة في التأثير على الدول الأخرى. عادت مايكروسوفت مؤخرًا إلى قمة سوق الأسهم العالمي بعد زيادة قيمتها بنسبة تزيد عن 50% خلال عام واحد، لتصبح أول شركة تتجاوز قيمتها 3 تريليونات دولار، وهي تعادل الناتج المحلي الإجمالي لفرنسا.
منذ 13 فبراير 2024، تعتبر أرامكو، عملاق النفط السعودي، الشركة الوحيدة غير التكنولوجية بين أكبر سبع شركات في العالم. أما الشركات العالمية الأخرى الرائدة فهي مايكروسوفت، آبل، ألفابت (جوجل)، إنفيديا، أمازون، وميتا.
سيطرة هذه الشركات تعني أنها قادرة على جذب المواهب وتتوسع نحو مناطق أخرى، خاصة نحو الدول الأوروبية. ومع ذلك، يظهر تقرير مؤشر الذكاء الاصطناعي الموجه نحو الإنسان (HAI) انخفاضًا ملحوظًا في جاذبيتها: انخفاض كبير في توظيف الطلاب الدوليين في الولايات المتحدة وكندا، خاصة على مستوى الدراسات العليا.
اتخاذ القرارات بيد الشركات الخاصة
تمتلك هذه الشركات الكبرى في قطاع التكنولوجيا قوة غير قابلة للإنكار، ولا تقتصر هذه القوة على المستوى الاقتصادي فقط بل تشمل أيضًا الوصول إلى كميات هائلة من البيانات. حماية الخصوصية والحد من تسرب البيانات أصبح أمرًا معقدًا بشكل متزايد.
تتمتع هذه الشركات بنفوذ سياسي عالمي، ليس فقط في الولايات المتحدة، بل في أماكن أخرى حول العالم، ولديها مكانة عامة غير مسبوقة تسمح لها بقيادة الابتكار. هذه الشركات تملي مسار البحث والابتكار في جميع أنحاء العالم وتسيطر على الأبحاث المتقدمة في الذكاء الاصطناعي وكذلك التكنولوجيا الأساسية التي تعتبر ضرورية لتعزيز استقلالية وسيادة التكنولوجيا في أي بلد.
المؤسسات البحثية الأوروبية أكثر من الصين
في أوروبا، الوضع مختلف، حيث يوجد دعم قوي من الحكومة في بعض دول الاتحاد الأوروبي، خاصة في فرنسا وألمانيا، مع وجود عدد كبير من الشركات الناشئة، خصوصًا في المملكة المتحدة. ومع ذلك، لا توجد أي من الشركات التكنولوجية الكبرى العالمية أوروبية، وتفتقر القارة أيضًا إلى المنصات الكبيرة لريادة الأعمال التي تمتلكها الولايات المتحدة والصين.
في أوروبا، هناك نوع من النفور النسبي من المخاطرة الثورة الصناعية الرابعة. ومن العوامل المهمة الأخرى هجرة المواهب، حيث يهاجر العديد من الخريجين الأوروبيين للحصول على فرص عمل أفضل في دول أخرى. ومع ذلك، تتمتع أوروبا بميزة كبيرة حيث تستضيف عددًا كبيرًا من أفضل مائة مؤسسة بحثية في العالم، وهو عدد يعادل تقريبًا عدد المؤسسات البحثية في الولايات المتحدة وأكثر من عدد المؤسسات البحثية في الصين.
ينعكس هذا في تصنيف الجامعات الأكثر شهرة في أبحاث الذكاء الاصطناعي، حيث تتصدر الولايات المتحدة القائمة، وتأتي أوروبا في المرتبة التالية بفارق بسيط، مع وجود اسم واحد فقط من الصين بين أفضل عشر جامعات ومؤسسات بحثية.
من سيتكفل بتطوير GPT-4؟
تم تطوير 51 نموذجًا بارزًا للذكاء الاصطناعي في عام 2023 بواسطة الصناعات الخاصة، بينما تم تطوير 14 نموذجًا فقط من قبل المؤسسات الأكاديمية والتعليمية والبحثية في نفس العام. ومع ذلك، وصلت النماذج التي تم تطويرها بالتعاون بين القطاعين الصناعي والأكاديمي إلى مستوى قياسي مع 21 حالة تعاون بين القطاعين في العام الماضي.
أحد العوامل المرتبطة هنا هو الزيادة الكبيرة في التكلفة الاقتصادية لتطوير هذه النماذج، التي تستهلك كميات هائلة من الموارد الحسابية والطاقة. تقدر تكلفة تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة مثل GPT-4 من Open AI ونماذج Gemini Ultra من جوجل بـ 78 و191 مليون دولار على التوالي، وهي أرقام خارج متناول معظم مراكز البحث الأكاديمية.
أوروبا تتبع المسار الأخلاقي
في 13 مارس 2024، أقر الاتحاد الأوروبي قانون الذكاء الاصطناعي، وهو أول تشريع في مجال الذكاء الاصطناعي في العالم الغربي. تم تصميم هذا القانون بطريقة أخلاقية تهدف إلى خدمة الناس أكثر من تحقيق الربح. تتبع دول أخرى مثل الصين والولايات المتحدة لوائحها الخاصة، ولكن برؤى مختلفة تمامًا.
يجلب الذكاء الاصطناعي موجة جديدة من الابتكار، لا تعزز فقط أشكالًا جديدة من ريادة الأعمال التكنولوجية، ولكنها تروج أيضًا لقيم جديدة مثل الحسابات المستدامة، وحماية الخصوصية من خلال التصميم في الخوارزميات، وحوكمة التكنولوجيا، التي تم تضمينها جميعًا في اللوائح الجديدة للاتحاد الأوروبي.
تحاول أوروبا استخدام الذكاء الاصطناعي في الإجراءات المناخية وخلق الاستدامة وتطوير الذكاء الاصطناعي باستخدام بيانات أفضل وخوارزميات أكثر صداقة للبيئة لتحقيق الاستدامة، وتصر على ضرورة تحقيق هذه الأهداف. قد تكون الشجاعة الأخلاقية طريقًا للوصول إلى موقف قوي للاتحاد الأوروبي في الثورة التكنولوجية التي لا يمكن وقفها في القرن الحادي والعشرين.
المصدر: كويت24