الاستثمارات الكويتية في الغرب/ فرص أم مخاطر سيادية؟

الاستثمارات الكويتية في الغرب/ فرص أم مخاطر سيادية؟

في السنوات الأخيرة، أصبحت الاستثمارات الكويتية في الغرب أحد أعمدة السياسة الاقتصادية الخارجية للكويت، مدفوعة برغبة في تنويع مصادر الدخل وتعظيم العوائد من الفوائض النفطية.

الاستثمارات الكويتية في الغرب سياسة كويتية قديمة!

وتعد الهيئة العامة للاستثمار، التي تدير الصندوق السيادي الكويتي، من أقدم صناديق الثروة السيادية في العالم، وتبلغ قيمة أصولها مئات المليارات من الدولارات، أغلبها مستثمرة في الأسواق الغربية، من بورصات وقطاعات تكنولوجية وعقارات وشركات كبرى.

لكن خلف هذه الأرقام الكبيرة، يبرز نقاش حيوي داخل الكويت: هل تمثل الاستثمارات الكويتية في البلاد الغربية ضمانًا استراتيجيًا طويل الأمد، أم أنها باب محتمل لمخاطر سيادية تتعلق بالتحكم في القرار الوطني، أو التورط في أزمات سياسية واقتصادية لا ناقة للكويت فيها ولا جمل؟

الاستثمارات؛ فرص و تحديات!

من ناحية الفرص، لا شك أن الاستثمارات الكويتية قد وفّرت للكويت عوائد ضخمة في فترات الاستقرار الاقتصادي العالمي، وسمحت لها بتجاوز أزمات محلية مثل انخفاض أسعار النفط أو تراجع الإنتاج. كما أن هذه الاستثمارات ساعدت الدولة في الحفاظ على تصنيف ائتماني قوي، ووفّرت شبكة أمان مالي للأجيال القادمة.

لكن في المقابل، لا يمكن تجاهل المخاطر الكامنة. فجزء كبير من هذه الأموال مستثمر في دول تخضع لسياسات تتغير وفق المصالح الجيوسياسية. وعند حدوث توتر سياسي – مثل ما جرى خلال الأزمات الخليجية أو الخلافات الدولية – يصبح من المشروع التساؤل: هل يمكن أن تُستخدم الاستثمارات الكويتية في الغرب كأداة ضغط على القرار الكويتي؟ هل يمكن تجميدها أو تقييد حركتها كما حدث مع بعض الأصول السيادية في تجارب أخرى حول العالم؟

ويحذر بعض الخبراء من أن التركيز الكبير على الأسواق الغربية يجعل المحفظة الاستثمارية عرضة لتقلبات ناتجة عن قرارات لا تخضع للرقابة الكويتية. فمثلًا، أي أزمة مصرفية في الولايات المتحدة أو أوروبا قد تؤدي إلى تبخر جزء كبير من العوائد، في حين أن البدائل في آسيا أو الأسواق الناشئة لم تُستغل بالقدر الكافي.

يقول أحد الاقتصاديين الكويتيين في تصريح صحفي: “لا أحد ينكر أهمية الاستثمارات الكويتية في الغرب، لكن الاعتماد المفرط عليها دون تنويع جغرافي حقيقي قد يتحول من فرصة إلى تهديد. نحن بحاجة إلى استراتيجية أكثر توازنًا تربط الأمن المالي بالسيادة الوطنية”.

وتزداد هذه المخاوف مع محدودية الشفافية في تفاصيل بعض الاستثمارات، وضعف الرقابة البرلمانية على تحركات الصندوق السيادي. فالقرارات المتعلقة بتحويل مليارات الدولارات إلى مؤسسات مالية غربية تُتخذ غالبًا بعيدًا عن النقاش العام، ما يثير تساؤلات حول آليات المحاسبة والحوكمة.

موقع الكويت في المنطقة هي نعمة أم عبء استثماري؟

لا يمكن الحديث عن الاستثمارات الكويتية في الغرب دون ربطها بالموقع الجغرافي والسياسي الفريد للكويت. فالدولة الصغيرة الواقعة بين قوتين إقليميتين كبيرتين، العراق وإيران، لطالما اختارت الاحتماء بالغرب اقتصاديًا وسياسيًا، في محاولة لبناء نوع من الحصانة الاستراتيجية.

ويبدو أن السياسة الاستثمارية كانت انعكاسًا لهذا النهج؛ إذ اعتُبرت الاستثمارات في الغرب جزءًا من “تحالف غير مكتوب” يربط أمن الكويت الاقتصادي باستقرار علاقتها مع الدول الغربية.

لكن هذه الاستراتيجية التي ربما كانت ضرورية خلال الحرب الباردة وما بعدها، أصبحت الآن موضع مراجعة، خاصة في ظل تعدد مراكز القوى الاقتصادية عالميًا.

فالصين، والهند، ودول جنوب شرق آسيا، أصبحت أسواقًا واعدة وبدائل حقيقية. ومع ذلك، لا تزال معظم أصول الصندوق السيادي الكويتي في الأسواق الغربية، وهو ما يعتبره بعض المراقبين بطئًا في التكيّف مع التغيرات الدولية.

لماذا لا تتحرك الكويت كما تحركت الرياض وأبوظبي؟

رغم أن الكويت كانت سبّاقة في إنشاء صندوق سيادي، فإنها أصبحت لاحقًا أقل جرأة في إعادة توجيه استثماراتها مقارنة بجيرانها. فالسعودية – رغم تأخرها في تأسيس صندوق الاستثمارات العامة – أطلقت في السنوات الأخيرة استراتيجية توسعية جريئة، استثمرت من خلالها في شركات التكنولوجيا الأمريكية، واستحوذت على أندية رياضية أوروبية، وموّلت مشروعات ضخمة في قطاعات الفضاء والألعاب الإلكترونية والطاقة المتجددة.

أما الإمارات، فقد انتقلت من مجرد مستثمر خارجي إلى شريك استراتيجي في صناعات دقيقة، بل إنها أصبحت من اللاعبين الدوليين في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة، عبر شركات مثل “مصدر” و”مبادلة”. بينما ظلّت هذه الاستثمارات الكويتية متركزة في مجالات تقليدية مثل السندات والأسهم والعقارات، دون توجه واضح نحو القطاعات المستقبلية أو الاقتصادات الصاعدة.

بالمحصلة، تظل الاستثمارات الكويتية في الغرب سيفًا ذا حدين. فهي من جهة ضرورة اقتصادية لتأمين المستقبل المالي للدولة، ومن جهة أخرى عامل حساس يجب التعامل معه بحذر، خصوصًا في ظل عالم تتحول فيه المصالح إلى أدوات ضغط، وتتقاطع فيه الأموال مع السيادة بشكل متزايد.

المصدر: كويت24