إيران والسعودية؛ هل حان وقت الانفتاح الكويتي نحو طهران؟

إيران والسعودية؛ هل حان وقت الانفتاح الكويتي نحو طهران؟

الانفتاح الكويتي نحو طهران/ منذ أن تصافحت طهران والرياض تحت الأضواء الصينية في بكين عام 2023، والعالم يراقب بدهشة ما كان يبدو حتى وقت قريب ضرباً من المستحيل.

أن تعود المياه إلى مجاريها بين القوتين الإقليميتين بعد سنوات من التوتر، لم يكن فقط حدثاً دبلوماسياً عابراً، بل لحظة فارقة تستحق الوقوف عندها طويلاً، خصوصاً بالنسبة للدول الخليجية الصغيرة مثل الكويت، التي لطالما سارت على الحبل المشدود في علاقتها مع إيران.

الانفتاح الكويتي نحو طهران أمر لا يمكن تأخيره!

لكن هذا السؤال عن الانفتاح الكويتي نحو طهران، لم يعد محصوراً في دوائر السياسة الخارجية أو النقاشات الأكاديمية. إنه يطرح اليوم بإلحاح في الصحافة المحلية، في المجالس السياسية، بل وحتى في أروقة السلطة: هل حان الوقت لانفتاح كويتي جاد نحو طهران؟ وهل بات التردد في اتخاذ خطوة كهذه عبئاً أكثر منه ورقة دبلوماسية؟

العلاقات الكويتية الايرانية تحت المجهر

موقف الكويت هو توازن أم جمود؟

لطالما افتخرت الكويت بموقفها “المتوازن” في السياسة الخارجية، خصوصاً في بيئة مضطربة مثل الخليج. فهي لم تقطع علاقاتها مع إيران حتى في ذروة الصراع الإيراني الخليجي، كما لم تُلق بنفسها بالكامل في معسكر العداء. لكنها، في الوقت نفسه، لم تبادر يوماً لفتح صفحة جديدة مع طهران، وظلت تُراعي – أحياناً بشكل مفرط – حساسيات جيرانها الأقوى، وعلى رأسهم السعودية.

الانفتاح الكويتي نحو طهران يعتبر النهج الحذر ربما كان مبررا خلال العقود الماضية، حين كان الاستقطاب الإقليمي في أوجه، والاصطفاف مطلوباً. لكن السياق اليوم تغيّر. السعودية نفسها، التي كانت في طليعة المواجهة مع إيران، اختارت التهدئة والانفتاح، وأعادت فتح سفاراتها، وأرسلت وفودها، وأعلنت بوضوح أنها تسعى إلى علاقة مستقرة مع الجار الفارسي.

السؤال هنا: إذا كانت الرياض قد تصالحت، فلماذا تتردد الكويت؟ ولماذا تبقى على مسافة واحدة بينما الأرض من تحتها تتحرك؟

 متى يتحول الانتظار إلى خسارة؟

السياسة، كما يعلمنا التاريخ، لا تنتظر من يتحرك أخيراً. المبادرات تُسجل لصالح من يخطو أولاً، لا لمن يلحق بالركب على استحياء. واللحظة الحالية تحمل فرصاً نادرة للكويت إن هي قررت التحرك.

ففي ظل التقارب السعودي الإيراني، قد تكون الكويت في موقع مثالي للعب دور الوسيط الدائم بين الخليج وطهران، وهو دور يتناسب مع تاريخها السياسي وسمعتها الدولية. كما أن الانفتاح الاقتصادي الإيراني – بعد سنوات من العزلة والعقوبات – يفتح أبواباً واسعة أمام التعاون التجاري والاستثماري، وهو ما لا يمكن تجاهله في ظل التحديات الاقتصادية الإقليمية.

علاقات كويت و طهران

خذ على سبيل المثال سلطنة عمان، التي كانت، وما تزال، تمارس سياسة أبواب مفتوحة مع إيران دون أن تدخل في أزمات مع بقية مجلس التعاون. وقد أتاح لها هذا النهج لعب أدوار محورية في أكثر من ملف، من الاتفاق النووي إلى الوساطات السرية. لماذا لا تكون الكويت على مسافة قريبة من هذا النموذج؟

الجغرافيا لا تحتمل الخصومات الدائمة

قد تكون السياسة أحياناً فن إدارة الأعداء، لكن الجغرافيا، كما يقول المنظرون، أقوى من الأيديولوجيا. إيران دولة جارة. لا يمكن للكويت أن تغير موقعها على الخريطة. ما يمكن تغييره هو كيفية إدارة هذا الجوار.

قطع الجسور مع طهران أو الإبقاء على الحد الأدنى من العلاقة ليس موقفا واقعيا. فالتحديات الأمنية في الخليج، من الملاحة إلى التسلح إلى أمن الطاقة، كلها تمر عبر طهران بشكل أو بآخر. والانكفاء عن التعامل المباشر مع هذه الملفات لا يعني الحياد، بل التنازل عن مساحة من القرار لصالح لاعبين آخرين أكثر جرأة.

كما أن للداخل الكويتي خصوصيات لا يمكن تجاهلها. فالعلاقة بين بعض شرائح المجتمع الكويتي وإيران تحمل أبعاداً مذهبية وتاريخية وثقافية، وهي بحاجة إلى إدارة حكيمة، لا إلى مزيد من الصمت السياسي.

من ينتظر من؟

قد يقال إن إيران هي من يجب أن تبادر، أو أن الشكوك في نواياها لا تزال قائمة. وربما هذا صحيح إلى حد ما. لكن منطق السياسة لا يقوم على الانتظار الأبدي. فهل من المصلحة الكويتية أن تبقى “ضحية” شكوك لا تحسم؟ أم أن اختبار النوايا في إطار سياسي واضح قد يكون الطريق الأجدى؟

ماذا لو بادرت الكويت – لا باندفاع، بل بتخطيط – إلى إطلاق حوار مفتوح مع طهران حول الملفات الثنائية؟ أمن الخليج، الطاقة، الملاحة، التبادل الثقافي، وحتى ملف الجاليات. الحوار لا يعني التطبيع الكامل، لكنه على الأقل خطوة أولى نحو كسر الجمود السياسي الذي لم يعد يخدم أحداً.

الانفتاح لا يعني التخلي عن الحذر. كما أن التقارب لا يعني التطابق. لكن الاستمرار في موقف ثابت بينما الإقليم كله يتغير، أمر لا يبدو منسجماً مع التاريخ السياسي للكويت، ولا مع طموحاتها في أن تكون فاعلاً إقليمياً محترماً.

ربما حان الوقت لأن تجيب السياسة الخارجية الكويتية على هذا السؤال، لا بالشعارات، بل بخطوة محسوبة، مدروسة، تعيد للكويت قدرتها على المبادرة، لا فقط على الانتظار.

المصدر: كويت24