احتجاجات عارمة في فرنسا / لماذا يخاف ماكرون من الضواحي أكثر من المدن؟
فرنسا تشتعل وروسيا تتفرج .احتجاجات عارمة في فرنسا و مختلف مدنها. دافعها قتل مراهق مهاجر من قبل شرطة المرور. تكسير للمحال و اقتحام للبنوك واحراق للسيارات. ومواجهات دامية مع الشرطة.بعد اندلاع احتجاجات عارمة في فرنسا ماكرون يظهر مرتبكا للغاية. وردود فعل دولية تشجع على التهدئة. مشهد وصفه البعض بالثورة واخرون قالوا ان القنبلة الموقوتة قد انفجرت. تلك القنبلة فرنسا منذ سنوات الا وهي الضواحي الفرنسية.
احتجاجات عارمة في فرنسا
غليان باريس
احتجاجات عارمة في فرنسا تبدأ من احدى ضواحي العاصمة الفرنسية باريس وتحديدا بمدينة نانتير غربي عاصمة النور بدأت قصة الغليان. مراهق من اصول جزائرية. يبلغ من العمر سبعة عشر عاما يقود سيارة مرسيدس مستأجرة. توقفه شرطة المرور الفرنسية ليتضح انه لا يملك شهادة قيادة كما تقول السلطات الفرنسية طبعا. وبعد حاول المراهق نائل السير بسيارته. تقوم الشرطة باطلاق النار عليه ويقع قتيلا في النهاية و هذه الجريمة كانت كافية لتشعيل فتيل احتجاجات عارمة في فرنسا.
حادثة اججت الغضب و احتجاجات عارمة في فرنسا و مختلف انحاءها خصوصا في العاصمة الفرنسية باريس. فانتشرت اعمال الشغب والمواجهات مع الشرطة وفتحت تحقيقات مطولة في القضية. وتدخل ماكرون موجها حديثه للشعب. في محاولة منه لنزع فتيل الغضب. احتجاجات عارمة في فرنسا تستمر. واكثر من اربعين الف شرطي يتوزعون في مختلف المناطق. لعلهم يخففون قليلا من الاحتقان والاحتجاجات.
لكن المثير في كل هذا و من بداية احتجاجات عارمة في فرنسا ان اغلب المواجهات اندلعت في ضواحي المدن الرئيسية. وفي ذات الوقت تمركزت قوات الشرطة في قلب المدن. ولم تتمكن في اغلب المناطق من البقاء بداخل الضواحي. كما نفذت عمليات تطويق لبعضها مدينة لانتير التي وقعت فيها الحادثة. وكانها تخشى من الضواحي اكثر من المدن.
وتتخوف من انفجار ما يسميه الفرنسيون القنبلة الموقوتة. التي على ما يبدو انها انفجرت فعلا في وجه ماكرون وحكومته منذ بداية هذه ال احتجاجات عارمة في فرنسا ولكن ما هي قصة تلك الضواحي. ولماذا تخشاهاالسلطات لتلك الدرجة؟
هذه الاحياء عملاقة. و الحديث عن الضواحي الفرنسية يبدأ من عمليات الهجرة الجماعية التي وصلت اليها. فقد شهدت البلاد فترتين من الهجرة الجماعية. وذلك منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. حيث انطلقت بشكل فعلي فيما سمي بسنوات الازدهار. وذلك عندما ارتفع عدد المصانع وشجعت الحكومة على استقبال العمالة الاجنبية. لكن بعد سنوات دخلت في العديد من الازمات. وقررت في بعض الاوقات اغلاق الحدود كليا.
العصر كان المفتاح لوصول مئات الالاف من المهاجرين لفرنسا. لكن في خمسينيات القرن الماضي تراجع التصنيع. ما شكل حالة من البطالة لدى المهاجرين فاستقروا في ضواحي المدن. وبعد ذلك تم بناء مجمعات ضخمة لتأويهم. ثم شهدت البلاد ازمة تخطيط النماذج في العام الف وتسعمائة وسبعين. والتي وسعت وعقدت من مشكلة الضواحي الفرنسية.
خصوصا الارتفاع المستمر لاعداد المهاجرين. فقد ارتفع العدد من واحد فاصل سبعة مليون شخص عام الف وتسعمائة وستة واربعين. الى اكثر من ثلاثة فاصل خمسة مليون شخص بحلول العام الف وتسعمائة وتسعين. فرانسوايم تيران رئيس فرنسا في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي كان فعليا اول الرؤساء الذين باتت تؤرقهم ازمة المهاجرين والضواحي.
حيث الانتقادات بالتعامل مع تلك القضايا ليطلق تصريحه الشهير الذي قال فيه: المهاجرون لم يأتوا بمفردهم وانما تم جلبهم بالشاحنات والقوارب. لان فرنسا كانت بحاجة الى العمالة في المناجم وصناعة السيارات والاشغال العامة وجميع الصناعات الملوثة التي يرفضها الفرنسيون.
اوضح ميتيران بذلك التصريح ان المشكلة ليست قابلة للحل. وفي الحقيقة هذا ما كان اليه الواقع. فخصوصا بعد نهاية الحرب الجزائرية ارتفع عدد السكان بشكل كبير للغاية في فرنسا. بسبب خروج الفرنسيين من الجزائر بالاضافة لموجات الهجرة الى فرنسا. وبذلك تم بناء احياء عملاقة بالكامل
دون اي تخطيط عمراني. وتحولت تلك الاحياء مع مرور السنوات الى اماكن معقدة معزولة عن المدن الكبرى المتطورة.
وغالبا ما تظهر المعاناة الاقتصادية على سكانها. وبذلك تشكلت ضواحي فرنسا من عرقيات مختلفة. وفي ذات الوقت بعشوائية كبيرة للغاية.
قنابل موقوتة
الضواحي تتوزع على اكثر من ثلاثة الاف وثلاثمائة بلدية في مختلف انحاء فرنسا. ويبلغ عدد سكانها نحو عشرين مليون شخص. وذلك بحسب معهد انسي للاحصاء الفرنسي. في الحقيقة قبل اكثر من عشرين عاما لم تكن تلك الضواحي تشكل حالة قلق بالغة جدا للفرنسيين والسلطات خصوصا ان الحكومات اليسارية حاولت دائما تقوية الروابط معها. لكن انطلاقا من العام الفين وخمسة وتحديدا عند وصول اليميني نيكولاساركوزي للحكم في فرنسا تغير الوضع تماما وتراجع الاهتمام بالضواحي بشكل كبير. التي وصلت نسبة المهاجرين فيها لاكثر من ثمانين بالمائة.
فالفرنسيون الذين كانوا يسكنون فيها اغلبهم هاجروا منها. وذلك بعد فرض الحكومة ضرائب اكبر على اصحاب الدخل المرتفع. لذلك قرر الكثير منهم انتقال لمنازل ومناطق مختلفة. خصوصا للمدن الجديدة المتطورة التي لفتت الانظار. بشكل عام ومنذ وصول ساركوزي للحكم استثمرت الحكومات الفرنسية في تجديد العقارات السكنية في الضواحي وانشاء جمعيات في مختلف المناطق. لكنها لم تهتم بالانسان.
حيث لم يتم تأمين فرص عمل او تدريب للشباب. ما زاد من الاقتصادية وباتت نظرة المجتمع الفرنسي اليهم نظرة نمطية حتى للفرنسيين الذين يسكنون تلك الضواحي. وبطبيعة الحال ادت كل تلك التصرفات لتصاعد الغضب لدى سكان الضواحي الفرنسية وخصوصا ضواحي العاصمة الفرنسية باريس. التي باتت تعج بالسكان. ويصعب الحصول على فرصة عمل فيها.
ولهذا تحولت لقنابل موقوتة تنفجر عند كل احتجاجات تشهدها البلاد مثل احتجاجات عارمة في فرنسا في أيامنا هذا. ولا يمكن ايقافها بسهولة ابدا. بسبب العشوائية في اعمارها وتفاصيلها. فبعد مقتل الشاب نائل شاهد العالم كله حجم المواجهات والتخريب التي شهدتها مختلف المدن الفرنسية. لكن الحكومة ركزت على اغلاق وخنق المدن الرئيسية مثل باريس ومارسيليا وغيرها. في الضواحي لم تتمكن من السيطرة على الوضع ابدا.
وحدث ذات الامر خلال ازمة السترات الصفراء في عام الفين وثمانية عشر. وفي كل احتجاج يترك سكان الضواحي بصمتهم فيها. يمكن القول ان سكان تلك المناطق ليسوا متمردين او عنيفين بطبيعتهم. لكن الاهمال الحكومي المتعمد لهم وصل بهم لهذه الحالة. كما ان كون اغلبهم من المهاجرين اعطى الامتياز الفرنسيين لازدرائهم بشكل علني.
وتحجيمهم في مناطقهم دائما. لكن القنبلة انفجرت اليوم من جديد. ويبدو هذا الانفجار اعنف من كل الانفجارات السابقة. فهل سيقدر ماكرون وفريقه على اخمادها هذه المرة؟
شاركنا رأيك.