الاستقلال السياسي للكويت/رفي الخليج، لا تُبنى الجغرافيا على الورق فقط، بل على التاريخ، والنفط، والتحالفات، والعلاقات المتقلبة. ولعل أصدق تجل لهذه الحقيقة هو علاقة الكويت بجارتها السعودية.
العلاقة تاريخية، متشابكة، وضرورية. لكن في الوقت ذاته، تواجه الكويت تحديا مستمرا في الحفاظ على الاستقلال السياسي للكويت، وسط محيط لا يرحّب دائمًا بالأصوات المختلفة أو الخطوط المستقلة في السياسة الخارجية.
الاستقلال السياسي للكويت في ظل الجار الثقيل!
تُعد السعودية أكبر دولة خليجية من حيث المساحة والنفوذ السياسي والاقتصادي. وقد مارست، بشكل مباشر أو غير مباشر، دوا حاسما في تشكيل البيئة السياسية في مجلس التعاون الخليجي.
ورغم أن العلاقة بين الرياض والكويت ظلت في الغالب مستقرة، فإنها لم تكن دائمًا متكافئة. فالميل الطبيعي لأي قوة إقليمية كبرى أن تتوقع التماهي السياسي من جيرانها الأصغر، وهو ما قاومته الكويت بمهارة خلال العقود الماضية.
منذ أزمة الغزو العراقي، بدا واضحا أن الكويت اختارت أن ترسخ الاستقلال السياسي للكويت لا فقط من العراق، بل من أي مصدر محتمل للهيمنة، حتى ولو جاء من حليف تاريخي مثل السعودية. هذا الاستقلال لم يكن رفضا للتعاون، بل تأكيدا على أن الشراكة لا تعني الذوبان.
الرياض تريد إجماعا والكويت تختار التمايز!
في ملفات مثل العلاقة مع إيران، أو التطبيع مع إسرائيل، أو إدارة الملف اليمني، سلكت الكويت طريقا مغايرا للسعودية. حافظت على علاقات متوازنة مع طهران، امتنعت عن التطبيع الرسمي مع تل أبيب، واتخذت موقفا أكثر تحفظا في الشأن اليمني. هذه المواقف لم تكن سهلة، لأن الضغط الإقليمي – والصوت السعودي تحديدا – كان عاليا.
لكن رغم كل ذلك، بقيت الكويت على خطها الخاص، في ما يمكن وصفه بأنه اختبار متكرر لقدرة الدولة على الحفاظ على الاستقلال السياسي للكويت دون أن تدفع ثمنًا دبلوماسيًا أو اقتصاديًا باهظا.
ويبدو أن الرياض، رغم استيائها أحيانًا، فضّلت أن تبقي الخلافات صامتة، إدراكًا منها لمحدودية جدوى الضغط على دولة تعتمد خطابًا سياديًا متماسكًا.
ماذا تعني “الاستقلالية” فعليا؟
لا يدور الاستقلال السياسي للكويت حول معاداة السعودية أو فك الارتباط معها. بل هو محاولة واعية لرسم هوية سياسية ودبلوماسية خاصة، تتناسب مع تركيبة الدولة الداخلية، وبرلمانها، ومجتمعها المدني، وخطابها العام الأكثر انفتاحا مقارنة بجيرانها. البرلمان الكويتي مثلا، بتنوعه ونقاشاته، يجعل من الصعب على الحكومة أن تنزلق في توافقات غير مفهومة أو مفروضة، كما يحدث في أنظمة أكثر مركزية.
السعودية اليوم تمضي في تحولات كبرى، سواء على الصعيد الاجتماعي أو السياسي. ومع صعود قيادتها الجديدة، بات من الواضح أن الرياض تفضل إعادة تشكيل الإقليم وفق رؤيتها الخاصة. هذا الحق مكفول لها، كدولة تسعى لتأمين نفوذها. لكن بالمقابل، يجب أن يُصان الاستقلال السياسي كضرورة وطنية لا كترف دبلوماسي.
التحدي القادم: أين تتقاطع المصالح وأين تنفصل؟
مع مشاريع ضخمة مثل “رؤية 2030” و”نيوم”، تدخل السعودية في طور إعادة تعريف أولوياتها. وقد يزداد ضغطها لتوحيد مواقف الخليج في ملفات إقليمية ودولية كبرى. فهل تبقى الكويت قادرة على الحفاظ على مساحة القرار المستقل؟
الإجابة ليست بسيطه، لكنها ممكنة. الكويت تمتلك أوراق قوة ناعمة حقيقية: من برلمان فاعل، إلى دبلوماسية نزيهية، إلى إعلام حر نسبيًا، كلها أدوات تؤهلها لحماية استقلال السياسي للكويت من الانجراف وراء محاور لا تخدم مصالحها.
وفي ذات الوقت، يمكن للكويت أن تواصل شراكتها الإستراتيجية مع السعودية من منطلق التنسيق لا التبعية، وهو فرق جوهري يحتاج إلى توضيح دائم.
الاحترام لا يعني الامتثال!!!
لا شك أن السعوديهي ستبقى الجار الأهم، لكن الاحترام المتبادل لا يجب أن يتحول إلى امتثال سياسي. لقد أثبتت التجربة أن الاستقلال السياسي للكويت ليس مشروعا مؤقتا، بل ضرورة وجودية لدولة صغيرة بين قوى كبرى. هذا الاستقلال لا يعزل الكويت، بل يؤهلها لتكون وسيطًا موثوقا، وصوتا عاقلا، وشريكا ناضجا لا تابعا.
في العلاقات بين الدول غير المتكافئة في الحجم أو النفوذ، غالبا ما يُساء فهم مفاهيم مثل “التحالف” أو “الشراكة” لتُترجم فعليًا إلى أنماط من الامتثال السياسي أو الانضواء الكامل تحت مظلة الطرف الأقوى. غير أن التجربة الكويتية تثبت أن العلاقة مع دولة بحجم السعودية يمكن أن تقوم على قاعدة من التعاون الاستراتيجي دون الانزلاق إلى علاقة تبعية.
إن الاستقلال للكويت لا يمارس كرد فعل عدائي أو انفصالي، بل يُصاغ كخيار سيادي عقلاني نابع من هيكل الدولة، وتركيبتها الاجتماعية، ودستورها الذي يكفل توازن السلطات وحرية التعبير. وتأسيسا على ذلك، فإن الحفاظ على العلاقات الودية مع الرياض لا يستلزم، ولا ينبغي أن يستلزم، التماهي التام مع خياراتها الإقليمية أو الدولية.
بعبارة أدق: الاحترام السياسي المتبادل بين الدول يجب ألا يُختزل في امتثال أحد الأطراف لإرادة الآخر، بل في قدرة كل طرف على إدارة اختلافاته مع الآخر ضمن إطار من الحوار، والتوازن، والاعتراف بالسيادة الوطنية المتبادلة.
المصدر: كويت24