كانت لحظة دخول الجولاني إلى الجامع الأموي الكبير في دمشق بمثابة لحظة استفزازية في تاريخ الصراع السوري. ولفهم أهمية مثل هذا الحدث بشكل كامل، يجب على المرء أن يدرس تاريخ دمشق خلال الحرب الأهلية السورية والرحلة المثيرة للجدل التي خاضها الجولاني ومجموعته، جبهة النصرة، والتي تطورت إلى هيئة تحرير الشام.
لحظة دخول الجولاني الى الجامع و تاريخ الصراع السوري
كانت دمشق، عاصمة سوريا التاريخية وواحدة من أقدم المدن المأهولة بالسكان بشكل مستمر في العالم، نقطة محورية للصراع السوري. وباعتبارها مقر حكومة بشار الأسد، فقد كانت محل نزاع شرس خلال السنوات الأولى من الحرب الأهلية و لهذا السبب لحظة دخول الجولاني الى الجامع الاموي يعتبر أمر ذا أهمية بالغة.
وسعت جماعات المعارضة المسلحة والفصائل المتطرفة، بما في ذلك جبهة النصرة، إلى التعدي على ضواحي المدينة، مما أدى إلى اندلاع اشتباكات عنيفة مع القوات الحكومية. وقد أسفرت هذه المعارك عن دمار كبير وتشريد، إلا أن النظام احتفظ في نهاية المطاف بالسيطرة على العاصمة.
وظل المسجد الأموي الكبير، وهو رمز للتراث الثقافي والديني لدمشق، على حاله إلى حد كبير أثناء القتال، مما جعله رمزًا مؤثرًا لقدرة المدينة على الصمود وسط الاضطرابات.
جبهة النصرة: من حليف إلى عدو
تأسست جبهة النصرة في عام 2012 كفرع سوري لتنظيم القاعدة، وكان أبو محمد الجولاني زعيمها. في البداية، وضعت نفسها كقوة معارضة بارزة ضد نظام الأسد، لكن أيديولوجيتها المتطرفة وتكتيكاتها الوحشية سرعان ما أثارت الإدانة.
تعاونت جبهة النصرة بشكل وثيق مع داعش في مراحلها المبكرة، لكن التوترات نشأت بين المجموعتين، مما أدى إلى الانقسام الرسمي في عام 2013.
وإدراكًا لردود الفعل العالمية ضد فظائع داعش، أعادت جبهة النصرة تسمية نفسها في عام 2016 باسم جبهة فتح الشام، وابتعدت عن تنظيم القاعدة ثم اندمجت لاحقًا مع فصائل أخرى لتشكيل هيئة تحرير الشام.
وعلى الرغم من هذه التغييرات، احتفظت هيئة تحرير الشام بجذورها المتطرفة، وسعت إلى إبراز صورة أكثر اعتدالًا للشرعية الدولية مع مواصلة حملات العنف داخل سوريا.
الجولاني: زعيم متغير
لقد صاغ أبو محمد الجولاني صورته بمهارة للتكيف مع الديناميكيات المتغيرة للصراع السوري. بمجرد رؤيته مرتديًا ملابس عسكرية وإظهار شخصية إسلامية متشددة، ظهر لاحقًا مرتديًا بدلات لتخفيف صورته.
في أحد التحولات الأكثر بروزًا، لاحظ المراقبون أوجه تشابه بين مظهره الجديد ومظهر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ربما في محاولة للتحالف مع شخصية تحظى بإعجاب عالمي لمقاومتها الاستبداد.
إرث مثير للجدل
إن لحظة دخول الجولاني إلى المسجد الأموي الكبير من شأنها أن ترمز إلى الندوب العميقة التي خلفها الصراع السوري. وبالنسبة للكثيرين، فإن وجوده في مثل هذا الموقع التاريخي والموقر من شأنه أن يمثل تباينًا صارخًا بين التاريخ الثقافي الغني لسوريا والدمار الذي أحدثته الإيديولوجيات المتطرفة.
ويزعم المنتقدون أنه على الرغم من جهود هيئة تحرير الشام لإعادة صياغة هويتها، فإن إرثها لا يزال مرتبطًا بالعنف والانقسام.
بينما تبحر سوريا في مستقبلها، تواصل شخصيات مثل الجولاني وجماعات مثل هيئة تحرير الشام إثارة مناقشات مثيرة للجدال حول الشرعية والحكم وآفاق السلام في بلد مزقته الحرب.
المصدر: كويت24