ملف الجناسي المسحوبة تحت المجهر/ صدام الحرية و الوطنية!
سادت هاشتاغ المرتبط بـ ملف الجناسي المسحوبة في الكويت المنصات التواصل الاجتماعية و الكويتيون عبروا عن رايهم في هذا الصدد.
ملف الجناسي المسحوبة
في بداية دور الانعقاد الثاني لمجلس الأمة الكويتي لعام 2023، لم يطرح ملف الجناسي المسحوبة كأولوية من بين أولويات المطالب النيابية. وقد يرجع ذلك إلى عدم رغبة النواب في خلق بؤرة مواجهة بين السلطتين. لكن يبقى هذا الملف مطروحاً باستحقاق على الطاولة، ما دامت هناك عوائل كويتية يئن أفرادها منذ عشرات السنين من تبعات القوانين المعيبة تحت مبرر نظرية القرارات السيادية للدولة.
مبررتا تنفيذها لـ ملف الجناسي المسحوبة، تستند الحكومة الكويتية إلى نظرية السيادة في سحب جنسيات المواطنين، وهي نظرية تتمسك بها عادةً الأنظمة القمعية والبوليسية. وتتنافى هذه النظرية مع مقومات النظام الديمقراطي النيابي، وهي في دور الاحتضار لدى الدول المتحضرة.
المحافظة على المصالح العامة العليا
تعتذر الحكومة الكويتية عند تنفيذ ملف الجناسي المسحوبةو سحب جناسي مواطنيها بأدائها لواجبها في المحافظة على المصالح العامة العليا، وذلك تطبيقاً للقوانين السيادية التي سعت لتحديدها وتقديرها منفردةً. وقد حدث ذلك عندما كان للحكومة الكلمة العليا بمجلس 1981 وغالبية أعضائه من الموالين لها، أو خلال سنوات حل مجلس 1985.
ويعتبر الابتزاز السياسي لنظرية قوانين السيادة مجحفًا ومؤلمًا بحق المواطنين، وهو سيف مصلت وحبل معلق لمن يبادر في إبداء رأيه صراحةً أو يوجه سهام النقد المباشر للسياسة الحكومية وقيادييها.
السيادة الحقيقية
وينبغي أن يذكر نواب المجلس أن السيادة «الحقيقية» التي نص عليها دستور الكويت هي السيادة الوطنية على رقعة الوطن، بالإضافة إلى السيادة الشعبية كونها مصدر السلطات جميعاً. وهذه هي معاني السيادة وحقيقتها التي نفهمها وندعو للتمسك بها.
تعارض في القوانين التي الحكومة تستند اليها
هناك تعارض صارخ بين مبدأ «حق» السلطة في تقنين قوانين سيادية تتعلق بسحب جناسي المواطنين، وبين مبدأ نص قانون المرسوم الأميري 1990/23 الذي ينص على «ليس للمحاكم أن تنظر في أعمال السيادة». وبموجب هذين النصين حجبت المحاكم في النظر بتلك القرارات السيادية.
وتعتبر هذه القرارات مخالفةً لقواعد دستورية أرفع منها شأناً وأجل قيمة، وأسمى منها إنسانيًا. فقد أكد دستور الكويت في نص المادة (166) على أن «حق التقاضي مكفول للناس». ومن السخرية أن الحكومة الكويتية هي أول من يلجأ للقضاء مستنجدةً به دون أي حائل يمنعها أو قيد يحجزها عندما تتعرض للمآزق السياسية والعثرات الإجرائية، في حين هي في الوقت ذاته تشرع القوانين التي تعوق المواطنين عن حق التقاضي لصالح المتضررين من قراراتها السيادية التعسفية.
في ظل الظروف السياسية الحالية، من المهم إعادة طرح ملف الجناسي المسحوبة، وهو الملف الذي طالما أثارت إثارةً واسعةً في المجتمع الكويتي، لما له من تداعيات إنسانية واجتماعية وقانونية خطيرة.
و كما ينزعج الكويت طيلة عمره من قضايا البدون التي تعتبر كمسمار في تابوت العدالة الاجتماعية و تحققها في هذا البد الشريف.
نظرية السيادة
تستند الحكومة الكويتية في سحب جنسيات المواطنين إلى نظرية السيادة، وهي نظرية تتمسك بها عادةً الأنظمة القمعية والبوليسية. وتتنافى هذه النظرية مع مقومات النظام الديمقراطي النيابي، وهي في دور الاحتضار لدى الدول المتحضرة.
وبحسب المادة (7) من الدستور الكويتي، لا يجوز إسقاط الجنسية أو سحبها إلا بقانون. وقد نص قانون الجنسية الصادر بالمرسوم الأميري 1959/15 على أن أسباب السحب لا تسري إلا على المواطنين المتجنسين. أما المواطنين الكويتيين بالتأسيس أو بصفة أصلية، فلا يجوز سحب الجنسية منهم ولو توافرت بشأنهم أي حالة من الحالات المنصوص عليها في قانون الجنسية.
وبحسب المادة (28) من الدستور الكويتي، لا يجوز إبعاد الكويتي عن الكويت أو منعه من العودة إليها. وإذا كان المواطن الكويتي لا يجوز إبعاده عن الكويت، فكيف يستقيم الأمر إذا سحبت جنسيته منه، والتي تمثل مصداقية انتمائه المادي والمعنوي لوطنه؟
من المخزي أن يقدم القتلة وعتاة المجرمين إلى ساحة القضاء، في حين يحرم المواطن من حقه في التقاضي لاسترداد جنسيته المسحوبة وهو أصلاً لم توجه إليه أي تهمة، ولم يقدم ضده أي دليل يدينه.
بناءً على ما سبق، فإن الحل المطلوب من نواب مجلس 2023 هو إصدار مراسيم قوانين لاسترجاع الجناسي المسحوبة، وتعديل البند الخامس من المادة الأولى من قانون إنشاء الدائرة الإدارية بالمحكمة الكلية، وإلغاء المادة الثانية من قانون تنظيم القضاء، ومسح ما علق بهما من آثار نظرية السيادة.