الحج فرصة لجمع زاد الدنيا أم الاخرة ؟
بعدما كان العالم يطوف حول الأصنام ويقوم بعبادتها ويتضرع لها لسنين طويلة، أنعم الله على البشر أجمعين برسول أخرج الناس من عبودية الأصنام إلى عبودية الله الواحد القهّار، واكرم الناس بفريضة الحج.
فلم تكن قيادة سيدنا محمد نبي الإسلام خلال 23 سنة من الجهاد، إلا لخروج الإنسان من الظلمات إلى النور ومن الجهل إلى العلم ومن القذارة إلى الطهارة، وبلوغ أعلى درجات الإنسانية.
{ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة} حقا ان مراحل حياة سيدنا محمد هي نموذج وأسوة لحياة المجتمعات. ومن خلال استكشاف الحياة التاريخية لرسول الله (ص)، يمكننا إيجاد طرق مناسبة لنمو وتكامل المجتمع، منها الأساليب والطرق التربوية والسياسية والثقافية وغيرها من الطرق.
انطلق الحاج الى رحلته … هذه الرحلة التي عانى فيها لسنوات من المشقة والمعاناة حتى استطاع على رغم وضعه الاقتصادي الصعب وحياته المؤلمة أن يجمع تكاليف السفر من خلال الاقتصاد في الأكل والشرب على نفسه وأسرته شيئا فشيئاً.
وفي نهاية المطاف وبعد تحمل كل هذه الصعاب الاقتصادية والروحية، تجد الحاج يصل إلى بيت الله الحرام ليكون ضيفا على هذه المائدة المباركة لبضعة أيام.
لكن المشكلة تبدأ عندما يقع ناظراه على الاسواق ومحلات بيع الهدايا وهو في طريقه من المسكن إلى الحرم المكي فيتذكر أولاده وزوجته وأصدقائه… يميل ببطء نحو المحلات والمجمعات التجارية، حتى في الأيام التالية وهو في مسيره نحو الحرم المكي، لا مكان لذكر الله في قلب الحاج، وكل ما يهتم به هو هذا السؤال الوحيد: ماذا ولمن أشتري اليوم ؟.
إن ضغوط التسوق من جهة، وزيادة الأسعار وارتفاع تكلفة البضائع من جهة أخرى، تجعله ينتقل باستمرار من سوق إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى، علّه يستطيع العثور على مشترياته المناسبة لذوقه و وضعه المادي.
وبعد أيام من التسوق، يعاني الحاج من التعب والإرهاق الشديد لدرجة أنه لا يستطيع حتى أن يؤدي صلاته، يقوم بإعداد الهدايا والتذكارات ويرتبها في حقيبته…
يصعد على متن الطائرة أو الحافلة ويعتزم الذهاب إلى منزله… يستقبله أقاربه واصدقائه ويوزع عليهم هدايا السفر آملا أن تنال الهدايا التي احضرها من اطهر بقاع الدنيا اعجابهم ورضاهم…
ولكن حتى يفتح عينيه ويعود إلى رشده، يرى أن كل هذه الأمور تقف جنبا إلى جنب لتحول رحلته الروحية المعنوية إلى رحلة مادية دنيوية…
والحاج بدلا من إستغلال زيارته لمكة بالقيام بالعبادة والتقرب الى الله عز وجل، يكون وللأسف قد قضى تمام وقته في التسوق وقد أهدر ودمر كل مشقته التي عانى منها وقت السفر راجيا التقرب الى الله عز وجل…
وهو يأسف لعدم تمكنه من اتباع النصيحة القرآنية {رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ}. يا حسرة وأسفا على الحاج الذي يبقى لسنوات طويلة في الحزن والأسى بسبب إهماله الفرص الذهبية التي فقدها.
وهنا يقع على عاتق الحكومة مسؤولية عدم اهدار وقت الحجاج وتنظيم رحلتهم الدينية ومساعدتهم على اتمام مناسك الحج وزيارة الاماكن المقدسة، عندها يمكننا أن نقول بكل تأكيد أن الحاج في رحلته الى بيت الله الحرام لا يقضي وقته الا في العبادة، ويصرف القليل من الوقت دون قلق أو توتر في شراء الهدايا للأقارب، وتخلد هذه الرحلة دائما في قلبه…
هكذا يكون الحاج قد أدّى فريضة الحج او العمرة خالصة لوجه الله {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} ومثل هذه الرحلات تنمي الشخص معنويا وتكون ذخرا له في آخرته.