قمة الدوحة و غزة/ في ظل تصاعد العدوان الإسرائيلي على غزة، واستمرار الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، جاءت قمة الدوحة و غزة في 15 سبتمبر 2025 كمحاولة عربية جديدة لمواجهة الأزمة.
لكن، كما هو متوقع من قمم الجامعة العربية، لم تكن هذه القمة سوى حلقة أخرى في سلسلة طويلة من الخيبات، حيث تجتمع القيادات العربية حول موائد مستديرة لتبادل الخطب الرنانة وإصدار بيانات ختامية لا تترجم إلى فعل ملموس.
قمة الدوحة، التي عُقدت كرد فعل على هجوم إسرائيلي استهدف قيادات فلسطينية في العاصمة القطرية، لم تقدم جديداً سوى التأكيد على العجز العربي المزمن، تاركةً غزة تنزف وحيدة تحت وطأة الاحتلال.
قمة الدوحة و غزة؛ جذور الخيبة العربية!
لطالما كانت قمم الجامعة العربية مسرحاً للوعود الفارغة، و قمة الدوحة و غزة ليست استثناءً. منذ تأسيس الجامعة العربية عام 1945، كانت القضية الفلسطينية في صلب أجندتها الرسمية، لكن النتائج على أرض الواقع ظلت مخيبة. في أول قمة عربية في أنشاص عام 1946، أُعلن دعم فلسطين ورفض الصهيونية، لكن ذلك لم يمنع وقوع النكبة عام 1948.
وفي قمة القاهرة عام 1964، أُسست منظمة التحرير الفلسطينية، لكنها لم تمنع هزيمة 1967 ولا احتلال القدس والضفة الغربية. حتى قمة الخرطوم الشهيرة بـ”اللاءات الثلاثة” (لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض) تحولت إلى شعارات جوفاء مع توقيع اتفاقيات سلام فردية، مثل كامب ديفيد عام 1979.
قمة الدوحة وغزة، التي دُعيت إليها طارئاً لمناقشة العدوان الإسرائيلي، كررت هذا النمط العبثي. فقد اكتفت القمة بإصدار بيان ختامي يدين العدوان، ويدعو إلى وقف إطلاق النار، دون أي التزام عملي مثل فرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل، أو قطع العلاقات الدبلوماسية معها، أو حتى تقديم دعم عسكري للمقاومة الفلسطينية.
هذا العجز ليس جديداً، بل هو امتداد لتاريخ طويل من الخيبات التي جعلت القمم العربية مجرد طقوس سياسية بلا تأثير.
الدوحة مسرح الخطب الجوفاء!
كان من المفترض أن تكون قمة الدوحة وغزة مختلفة، نظراً للظرف الاستثنائي الذي دُعيت من أجله. فقد جاءت القمة بعد هجوم إسرائيلي استهدف قيادات فلسطينية في الدوحة، في خرق واضح لسيادة دولة عربية. لكن بدلاً من أن تكون منصة لاتخاذ قرارات حاسمة، تحولت إلى مسرح للخطب الرنانة.
الأمير القطري تحدث عن “ضرورة مواجهة العدوان الإسرائيلي”، وأكدت الدول الأخرى على “مركزية القضية الفلسطينية”، لكن البيان الختامي لم يتجاوز حدود الإدانات العامة. لم يُطرح أي مقترح لمقاطعة اقتصادية، ولا لتفعيل قرارات سابقة مثل مبادرة السلام العربية عام 2002، التي طالما أُشيد بها لكنها بقيت حبراً على ورق.
ما يجعل قمة الدوحة و غزة خيبة مضاعفة هو تجاهلها للواقع الميداني. في غزة، يواجه الفلسطينيون إبادة جماعية مستمرة منذ أكتوبر 2023، حيث قُتل عشرات الآلاف، ودُمرت البنية التحتية، وتُرك الشعب تحت الحصار دون مأوى أو غذاء كافٍ.
في هذا السياق، كان يُنتظر من القمة أن تقدم خطوات عملية، مثل تنسيق جهود عسكرية أو اقتصادية لدعم المقاومة، أو على الأقل قطع العلاقات مع الدول التي تدعم إسرائيل عسكرياً، مثل الولايات المتحدة. لكن القمة اكتفت بالدعوات التقليدية لـ”حل الدولتين”، وهي فكرة أصبحت غير واقعية في ظل توسع الاستيطان الإسرائيلي ورفض إسرائيل أي تنازل.
التطبيع وجه آخر للخذلان!
إن أبرز ما يكشف عن خيبة قمة الدوحة وغزة هو استمرار بعض الدول العربية في التطبيع مع إسرائيل، حتى في خضم العدوان. منذ توقيع اتفاقيات إبراهيم عام 2020، التي شملت دولاً مثل الإمارات والبحرين والمغرب، أصبح التطبيع وجهاً آخر للخذلان العربي.
هذه الدول، التي شاركت في القمة، لم تُظهر أي نية لمراجعة علاقاتها مع إسرائيل، بل إن بعضها واصل التعاون الاقتصادي والأمني مع الاحتلال. هذا التناقض بين الخطب العنيفة ضد إسرائيل وبين الواقع السياسي يجعل القمة مجرد ستار لإخفاء الخذلان.
في الوقت نفسه، تستمر الدول الغربية، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، في دعم إسرائيل بالسلاح والتمويل، دون أي ضغط عربي حقيقي لوقف هذا الدعم.
كان بإمكان قمة الدوحة و غزة أن تطالب بمقاطعة اقتصادية للدول الداعمة لإسرائيل، أو أن تستخدم النفط كأداة ضغط، كما حدث في أزمة 1973. لكن غياب الإرادة السياسية، والانقسامات الداخلية بين الدول العربية، جعل القمة عاجزة عن اتخاذ أي موقف جريء.
غير العرب يقودون المشهد!
في المقابل، برزت دول غير عربية كداعمين أقوى للقضية الفلسطينية، مما يكشف عمق خيبة قمة الدوحة و غزة. إيران، على سبيل المثال، لم تكتفِ بالكلام، بل اتخذت خطوات عملية.
في أبريل وأكتوبر 2024، شنت إيران هجمات بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة على إسرائيل، كرد على اغتيالات إسرائيلية استهدفت قادة إيرانيين وحلفاء المقاومة.
هذه العمليات، التي أطلق عليها “الوعد الصادق”، أظهرت قدرة إيران على مواجهة إسرائيل مباشرة، مما دعم المقاومة في غزة ولبنان. هذا الدعم العسكري المباشر يتناقض بشكل صارخ مع العجز العربي، حيث لم تقدم أي دولة عربية دعماً مماثلاً.
في أوروبا، برزت دول مثل إسبانيا كداعم قوي لفلسطين. في مايو 2024، اعترفت إسبانيا رسمياً بدولة فلسطين، مع أيرلندا والنرويج، في خطوة رمزية لكنها مهمة سياسياً.
وفي نوفمبر 2024، عقدت إسبانيا أول قمة حكومية مع فلسطين في مدريد، لتعزيز التعاون ودعم حل الدولتين. هذه الخطوات، التي جاءت من دولة أوروبية ليست معنية تاريخياً بالقضية، تفوقت على كل ما قدمته قمة الدوحة و غزة، التي لم تتجاوز حدود البيانات اللفظية.
حتى اسكتلندا، كجزء من المملكة المتحدة، أبدت مواقف أكثر تقدماً من العديد من الدول العربية. في 2024 و2025، طالب قادة اسكتلنديون، مثل جون سويني، بالاعتراف بدولة فلسطين، ودعوا إلى وقف مبيعات الأسلحة لإسرائيل وإجلاء الأطفال المصابين من غزة. هذه المواقف، رغم محدوديتها، تعكس إرادة سياسية غائبة عن القمم العربية، مما يجعل قمة الدوحة و غزة تبدو كمسرحية هزلية أمام العالم.
من الموائد المستديرة إلى المقاومة الحقيقية!
إن قمة الدوحة و غزة ليست مجرد خيبة أمل، بل دليل على انهيار المشروع العربي المشترك أمام القضية الفلسطينية. في الوقت الذي تستمر فيه غزة في مواجهة العدوان وحدها، تقتصر الدول العربية على تقديم مساعدات إنسانية رمزية أو إدانات لفظية لا تغير من الواقع شيئاً. في المقابل، تبرز دول غير عربية، مثل إيران واسبانيا، كأمثلة على الدعم الحقيقي، سواء عبر العمل العسكري أو السياسي.
إذا أرادت الأمة العربية استعادة كرامتها، يجب أن تتخلى عن هذه الموائد المستديرة العقيمة، وتتحول إلى فعل حقيقي يدعم المقاومة ويوقف العدوان. وإلا، ستبقى قمة الدوحة و غزة مجرد فصل آخر في كتاب الخيبات العربية.
المصدر: كويت24