النفط والتبعية؛ كيف تهدد السياسات الأمريكية استقلال الاقتصاد الكويتي؟

النفط والتبعية؛ كيف تهدد السياسات الأمريكية استقلال الاقتصاد الكويتي؟

استقلال الاقتصاد الكويتي/ في قلب الخليج الفارسي، تظل الكويت لاعبًا محوريًا في معادلة الطاقة العالمية، رغم حجمها الجغرافي الصغير. ومنذ اكتشاف النفط في أراضيها في أوائل القرن العشرين، تحول اقتصادها إلى نموذج ريعي يعتمد بشكل شبه كلي على صادرات النفط الخام.

استقلال الاقتصاد الكويتي في ملعب ترامب!

لكن ما يبدو للوهلة الأولى أنه نعمة، صار مع الزمن سلاحًا ذا حدين، خاصة في ظل علاقة الكويت المعقدة بالولايات المتحدة، القوة العظمى التي لا تكتفي بمجرد استيراد النفط، بل تسعى – بطرق مباشرة وغير مباشرة – إلى توجيه السياسات الاقتصادية في الدول المنتجة، ومن ضمنها الكويت التي تؤدي الى تقليص استقلال الاقتصاد الكويتي.

من المهم أن نفهم أن التبعية الاقتصادية لا تأتي فقط عبر عقود تجارية أو تحالفات سياسية، بل من خلال ديناميكيات أعقد تتغلغل في بنية الاقتصاد الوطني.

تعتمد الكويت على النفط لتأمين نحو 90% من إيراداتها العامة، وهذا الاعتماد يجعلها عرضة لتقلبات السوق العالمية، التي لا تُحدد فقط بناءً على العرض والطلب، وإنما على خلفيات سياسية تحركها قوى دولية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي لا تتحمل استقلال الاقتصاد الكويتي من سياساتها المدمرة.

أمريكا؛ من المنقذ الى المهندس!

السياسات الأمريكية في منطقة الخليج لم تكن يومًا محايدة. من الغزو العراقي للكويت في عام 1990، إلى الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، كانت الولايات المتحدة دائمًا موجودة، إما بصفة المنقذ أو بصفتها المهندس غير المعلن لموازين القوى.

ما يجري خلف الكواليس هو إملاءات اقتصادية وسياسية تُفرض على دول الخليج، بما فيها الكويت، تحت غطاء “الشراكة الاستراتيجية” أو “حماية الأمن الإقليمي”.

أحد أبرز تجليات هذه الهيمنة، هو الضغط الأمريكي المستمر للحفاظ على أسعار النفط ضمن هامش لا يضر المستهلك الأمريكي، حتى وإن كان ذلك على حساب المصلحة الوطنية للدول المنتجة.

وهنا نجد الكويت في موقف صعب: فهي من جهة تسعى لتنويع اقتصادها، ومن جهة أخرى تجد نفسها مضطرة للالتزام بسياسات إنتاج تُحدد جزئيًا بما يخدم المصالح الغربية.

استقرار أسواق أمريكا على حساب المواطن الكويتي!

أي تحرك كويتي لخفض الإنتاج من أجل رفع الأسعار – وهو ما قد يخدم الاقتصاد الكويتي – يُقابل بضغوط دبلوماسية أمريكية بدعوى الحفاظ على استقرار السوق العالمية.

علاوة على ذلك، فالكويت تحتفظ بجزء كبير من احتياطاتها المالية في أدوات استثمارية أمريكية، مما يجعلها مكشوفة أمام أي تغير مفاجئ في السياسة النقدية الأمريكية.

ولأن الدينار الكويتي مرتبط بسلة عملات يغلب عليها الدولار، فإن أي قرار من الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بشأن أسعار الفائدة يترك أثرًا مباشرًا على السوق المالية الكويتية دون أن يكون لصناع القرار في الكويت أي قدرة على التأثير فيه.

ولعل الأخطر من كل هذا، هو بطء خطوات الكويت نحو التحرر من “لعنة النفط”. فبرغم الخطط والرؤى التنموية التي طُرحت – مثل رؤية “كويت جديدة 2035” – لا تزال المبادرات العملية محدودة، والتشريعات بطيئة، والبيروقراطية مستمرة في عرقلة التحول المنشود نحو اقتصاد أكثر تنوعًا واستقلالًا.

تقوية القطاعات الوطنية تعارض المصالح الأمريكية!

هذا البطء لا يمكن فصله عن التأثيرات غير المباشرة للنفوذ الأمريكي، الذي لا يشجع، بطبيعة الحال، على تقوية قطاعات وطنية قد تقلل من اعتماد الكويت على النفط، وبالتالي على المنظومة الاقتصادية العالمية التي تهيمن عليها واشنطن.

التحدي الحقيقي الذي تواجهه الكويت اليوم ليس في تقلب أسعار النفط، ولا في صراع المصالح الإقليمي، بل في بناء إرادة سياسية مستقلة قادرة على صياغة قرار اقتصادي سيادي، لا يُراعي فقط تقلبات الأسواق، بل يضع في حسبانه أيضًا تحررًا تدريجيًا من النفوذ الخارجي. إن استقلال الاقتصاد الكويتي، في جوهره، لا يعني فقط تعدد مصادر الدخل، بل يشمل أيضًا حرية القرار الوطني في مواجهة القوى الكبرى.

في النهاية، يظل السؤال مفتوحًا: هل تستطيع الكويت، وهي محاطة بمصالح كبرى ومصادر تهديد إقليمية، أن تُعيد رسم علاقتها مع النفط ومع شركائها الدوليين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، بما يضمن لها قدرًا أكبر من السيادة الاقتصادية؟ الجواب ليس سهلًا، لكنه يبدأ – دون شك – بإرادة داخلية حقيقية تتجاوز الحسابات اللحظية وتُعيد قراءة التاريخ بحكمة ووعي.

المصدر: كويت24