بدأ طوفان الضفة ببدأ عملية عرين الأسود، حتى وإن لم يكن بحجم وشكل طوفان غزة. لكن النار بدأت بالاشتعال. ما قد يعجل من غليان الضفة. وربما ليست هي لوحدها من يغلي. ففي داخل إسرائيل نفسها، فلسطينيون يقولون إنهم قد يكونون خطرًا عليها، خاصة بعد دعوات سرايا القدس وأسود نابلس وجنين. وهنا باقي القصة عن عملية عرين الأسود والتفاصيل.
عملية عرين الأسود
ولنبدأ من عملية عرين الأسود الذين دشنوا أولى خطواتهم لما قالوا إنه نصرة لغزة، والذين أعلنوا عن بيان دعوا فيه أهالي الضفة الغربية لطوفان بشري هائل كما أسموه، دعما ومساندة لطوفان الأقصى مع التكبير والتهليل. والزحف لمناطق التماس وإشعال الإطارات المطاطية بحسب بيانهم.
وليس بيان عملية عرين الأسود لوحده من أقحم الضفة بالطوفان. فقد جاء التصريح من أبو حمزة الناطق باسم سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الفلسطينية، ليؤكد على أن المعركة لا تقتصر على غزة فقط. وقال أبو حمزة في تسجيل صوتي مقتضب بأن المعركة لم تعد محصورة في غزة وقد تمتد قريبا إلى داخل إسرائيل وفق مجريات الميدان.
وعلى هذا و بعد اعلام عن بدأ عملية عرين الأسود، صرح وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي إيتامير بن غفير بأنه يتوقع حدوث مواجهات بين العربية والأغلبية اليهودية في إسرائيل، في إطار تبعات الحرب التي تشنها على غزة. في الوقت الذي كثف فيه توزيع الأسلحة النارية على الإسرائيليين المرخص لهم بحيازتها.
وأضاف بن غفير في مؤتمر صحفي مشيرا الى عملية عرين الأسود، أنه وجه قائد الشرطة للتجهيز لسيناريو عملية “حارس الأسوار اثنين”، التي قال إنه يظنها باتت وشيكة. وعملية “حارس الأسوار” هذه هي الاسم الذي أطلقته إسرائيل على حرب غزة عام 2021، والتي أدت في بعض الأحيان إلى خروج احتجاجات عنيفة نظمها فلسطينيو الثمانية والأربعين دعما للفلسطينيين.
وبالعودة للضفة، نظمت في مدينة جنين ومخيمها وبلدات يعبد ومفلون وسانور جنوب المدينة مسيرات حاشدة رفضا للحرب على غزة وما يتعرض له القطاع وأهله. كما خرجت عملية عرين الأسود في الخليل مسيرات مشابهة ولذات المطالب. وأدت إلى اندلاع مواجهات ليلية مع قوات جيش الاحتلال. وكذلك جرى في نابلس التي حدثت فيها اشتباكات بين مواطنين فلسطينيين ومستوطنين إسرائيليين، ما أدى لسقوط عدد من الجرحى والقتلى بين صفوف الفلسطينيين.
لينضموا إلى قائمة ضمت العشرات من قتلى الضفة الغربية منذ بدء الحرب الإسرائيلية على القطاع. ما يعني أن المؤشرات كلها تقول إن الضفة وأراضي الثمانية والأربعين على وشك الدخول على خط طوفان الفلسطينيين. وهذه الأحداث أنذرت إسرائيل التي تقول إنها مستعدة لمثل هذا السيناريو، بل وهي مستعدة لسيناريو أكبر منه لا يحوي فقط جبهتي الضفة وأراضي الثمانية والأربعين وإنما يشمل أيضًا جبهتي لبنان وسوريا.
ولكن هذا ما تدعيه إسرائيل والواقع أمر آخر مختلف. ولنبدأ بسؤال: ماذا لو دخلت الضفة على خط الحرب بدأت عملية عرين الأسود؟ والإجابة لا تحتاج إلى خيال كبير، بل تحتاج إلى ذاكرة قوية ومن الذاكرة انتفاضتين قلبتا كل الموازين في إسرائيل.
الأولى ما عرفت بانتفاضة الحجارة والتي بدأت عام 1987، وثم اندلاعها بعام خرج الزعيم الراحل من قلب الجزائر معلنًا قيام دولة فلسطين. هذا الإعلان الذي مهد لاحقًا لاتفاقية أوسلو بين المنظمة وتل أبيب، وأسفر عن وضع جديد في الأراضي الفلسطينية، حيث سمح بقيام السلطة في الضفة الغربية وقطاع غزة.
أما الانتفاضة الثانية التي جرت عام 2000 والتي عرفت بانتفاضة الأقصى، وأسفرت عن مواجهات عنيفة طالت حتى العمق الإسرائيلي، خلفت مئات القتلى من الإسرائيليين الذين فاق عدد قتلاهم الألف. لكن كابوسهم الأكبر في كلا الانتفاضتين كان كسر حاجز الخوف لدى الفلسطينيين الذين قاتلوا الإسرائيليين في كل مكان على أرض فلسطين التاريخية.
وهذه الأيام لا يتمنى أحد في إسرائيل أن تعود. حيث بعدها بخمس سنوات قررت تل أبيب الانسحاب من غزة كلياً، وأطبقت عليها لاحقًا الحصار. لكن ما هو ثابت في أذهان قادة إسرائيل أن أي تحرك من الضفة بحجم الانتفاضات السابقة سيكون بمثابة البركان الذي ستحرق حممه أجزاء من إسرائيل.
هذا في حال فعلتها الضفة وحدها. فكيف لو انضمت لها أراضي الثمانية والأربعين. لا شك أنه سيكون بمثابة الخلخلة لأركان الدولة العبرية من الداخل. ونيران تشتعل بالجوانب في الضفة وغزة.
ومهما بلغت فعالية خطط تل أبيب وجاهزيتها، من الصعب عليها إخماد كل هذه النيران. هذا فقط وجبهة لبنان التي من المفترض أن تكون الأخرى قد تفتح خارجة عن هذا السيناريو. ما يعني أن من الطبيعي أن تنصب الأعين جميعها على الضفة الآن. وما يعني أيضًا أن بيانات الفصائل الفلسطينية التي خرجت من الضفة بالتأكيد قادة إسرائيل في الحسبان.
وعبارة “طوفان الضفة” لا شك أن لها صداها الآن في إسرائيل وخارجها. فحتى داعموا إسرائيل، وخاصة الأمريكيين، لا يتمنون دخول الضفة على خط الأحداث، لما فيه من ارتباك للمنطقة برمتها، وربما ما هو أكبر من المنطقة.
الرد الإسرائيلي المتوقع في مثل هكذا سيناريو هو حرب شاملة على الضفة والقطاع، وبمعنى آخر، حرب شاملة على الفلسطينيين. وهذا يعني الكثير في الموازين الآن، فالنار ستولد نارًا أخرى، ودائرة الحرب ستتوسع أكثر، والدم سيجر الدم كما يقال. وما يتبقى فقط هو السؤال عن واقعية تحرك الضفة، وهل سيحدث؟ الإجابة قد تحمل الشقين هنا.
فرسميًا، السلطة الفلسطينية لن تؤيد ذلك بل وقد تحول دونه، بينما الفصائل العاملة على الأرض والتي وقفت خلف البيانات التي تم إصدارها قد تسعى لتسريع مثل هذه الخطوة في حال استمرار الحرب على غزة.
فالواقع يقول إن من هم أولى بالتحرك هم الأكثر قربًا للقطاع وأهله، والحديث عن الضفة وأهله، الذين يتشاركون مع غزة ذات القضية وذات الجغرافيا والتاريخ والوطن المسلوب. وربما حراك الضفة أو طوفانها هذا، لو حصل، سيحرك كثيرًا من المياه الراكدة وفي أماكن أخرى خارج فلسطين، وهذا ما ستكشف عنه قادم الأيام، وربما تكون قريبة، في حال استمرار المعركة.