مابعد الهدنة المؤقتة / هل يضطر الكيان الصهيوني إلى مواجهة الحقائق الصعبة بوساطة الوسطاء الأميركيين؟
مابعد الهدنة المؤقتة لمدة 7 ايام، بدأ الكيان الصهيوني بقصف غزة وعمليات برية لاحتلال هذا القطاع. ورغم بعض التكهنات حول تحويل الهدنة المؤقتة إلى هدنة طويلة الأمد، خاصة من قبل السلطات القطرية؛ لكن الكيان الصهيوني، وبغض النظر عن هذه الإنشاءات الفضائية، شن هجماته بقصف مكثف على الشجاعية ورفح، فضلا عن تشغيل وحدات مدرعة للدخول من المحور الشرقي، مما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 150 شخصا في اليوم الأول لوقف إطلاق النار.
مابعد الهدنة المؤقتة
مابعد الهدنة المؤقتة، رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو، زعم في مؤتمر صحفي، في إشارة إلى عملية إطلاق النار في القدس المحتلة، أن هذا العمل نفذته حركة حماس، وهو مثال على انتهاك وقف إطلاق النار. لكن هذه ليست القصة بأكملها، فهناك عدة أسباب تجعل الكيان الصهيوني لا يزال غير مستعد لقبول الواقع على الرغم من التكلفة العسكرية والسياسية والهيبة والاقتصادية الباهظة.
في المقام الأول، من الجانب الاستراتيجي لـ مابعد الهدنة المؤقتة و استئناف الهجمات على غزة، فقد أظهر أنه في الخمسين يومًا الأولى من العملية العسكرية للكيان الصهيوني، والتي أدت إلى مقتل 15 ألف شخص، استهداف هذا الكيان بهجمات جامحة ولم تكن استعادة توازن القوى ناجحة. علاوة على ذلك، ورغم دخولهم إلى الأجزاء الشمالية من غزة، لم يعثر الإسرائيليون على الأنفاق، ولم يطلقوا سراح الرهائن، ولم يغتالوا قادة حماس. وبالإضافة إلى كل هذه الإخفاقات، تستمر هجمات المقاومة الصاروخية من غزة على المستوطنات وتل أبيب، وهو أكبر مؤشر على فشل إسرائيل العسكري.
ومن الناحية السياسية فإن استمرار الحرب، مهما كانت النتيجة، هو عامل إنقاذ نتنياهو من الضغوط الداخلية، ووقف الحرب لا يعني له سوى الموت السياسي و لهذا نحن شاهدنا أن مابعد الهدنة المؤقتة رجع أكار العام في داخل الكيان معطوفا الى الحرب بدلا من قضايا الفساد. وذلك في سياق أنه خلال أيام قليلة ستبدأ جلسات الاستماع لشهود قضية الفساد المالي لرئيس وزراء الكيان الصهيوني، وفي الوقت نفسه هناك همسات عن خلاف داخل كابينة الحرب بين بيني غانتس والوزير. حرب الكيان الصهيوني أثيرت في وسائل الإعلام.
وبطبيعة الحال، في مابعد الهدنة المؤقتة ستحاول الآلة الدعائية للكيان الصهيوني، وخاصة وسائل الإعلام القريبة من الليكود، تصوير الدخول العسكري إلى غزة على أنه معادل لتحقيق الأهداف المعلنة، وهذا غير صحيح. لأنه أولاً، حماس، الجيش الكلاسيكي، لا تملك قوات مدرعة للحفاظ على خطوط الدفاع، وبالأساس فإن قوى المقاومة، التي لها بنية فسيفسائية ولا مركزية في أحياء غزة، ستكون اليد العليا في المعركة الحزبية. مع الصهاينة. بمعنى آخر، المعركة لم تبدأ بعد بالنسبة للمقاومين، وعلينا أن ننتظر مفاجآت جديدة وخسائر فادحة للإسرائيليين.
ومن ناحية أخرى، فإن تكاليف الهيبة لاستمرار الحرب مرتفعة للغاية بالنسبة للصهاينة، وهذا الكيان، الذي استثمر دائمًا في مسألة القوة الناعمة والصورة، يبيع الآن وجهه السياسي بالكامل للرأي العام في مزاد علني. الغرب. ويمارس الصهاينة باستمرار الضغط على وسائل الإعلام الرئيسية وشبكات التواصل الاجتماعي لإخفاء الجرائم؛ لكنهم ما زالوا غير قادرين على إخفاء حقيقة جرائمهم. وبحسب ميرشايمر، أحد مفكري العلاقات الدولية، فقد وصل مستوى التعاطف مع فلسطين في الحرب الأخيرة في بعض الدول الأوروبية إلى 95%، وهو رقم فريد من نوعه، ويمكن القول إن رسم هذا المستوى إن الاهتمام الدولي بالصراع الفلسطيني هو أهم إنجاز سياسي لحماس منذ طوفان الاقصى.
ولا يمكن تجاهل التكاليف الاقتصادية التي يتكبدها الكيان الصهيوني، إذ تشير التقارير إلى أن التكلفة المباشرة لهذه الحرب تصل إلى 50 مليار دولار. وفي أبسط الأحوال، تقدر التكلفة اليومية للحرب بـ 200 مليون دولار، منها 45 مليون دولار لتوفير الأسلحة والملابس والمؤن لـ 450 ألف جندي (300 ألف احتياط و150 ألف قوة رئيسية) من الجيش الإسرائيلي. الجيش الذي يصل إلى 1.4 مليار دولار شهريا. هذا بالإضافة إلى التكاليف غير المباشرة مثل الركود الاقتصادي نتيجة استدعاء العمالة إلى ساحة المعركة، والأضرار الناجمة عن هجمات المقاومة، وهروب المستثمرين (خاصة شركات تكنولوجيا المعلومات الأمريكية) وتوقف السياح الغربيين عن زيارة إسرائيل.
ولذلك يمكن القول إن الكيان الصهيوني قد زج بنفسه أكثر في المستنقع باستئنافه المعركة ضد المقاومة الفلسطينية، وفي هذه الأثناء فإن المذنب الرئيسي هو نتنياهو الذي يغرق الكيان الصهيوني لينقذ نفسه من الموت السياسي. ورغم الادعاءات بشأن خطة تدمير حماس، يبدو أن هذا الحلم لن يتم تفسيره، لأن حماس ليست بناء يمكن تدميره بالصواريخ، بل هي منظمة سياسية ذات قاعدة اجتماعية عميقة في فلسطين، وهي اليوم مظهر من مظاهر مقاومة الشعب الفلسطيني. لذلك، من المتوقع أن يتلقى الإسرائيليون المزيد من الضربات المؤلمة في استمرار هذه الأزمة السياسية، وفي النهاية سيضطرون إلى مواجهة الحقائق الصعبة بوساطة الأميركيين.